قوله : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) الهاء في «قبله» يجوز أن تعود للرسول لقوله (١) : لو لا أرسلت إلينا رسولا (٢).
وجوّز الزمخشري وغيره في قوله (٣) : أنه (٤) يعود على «بيّنة» باعتبار أنها في معنى البرهان والدليل(٥). والمعنى : ولو أنّا أهلكناهم بعذاب من قبل إرسال الرسول ، أو من قبل مجيء البرهان «لقالوا» يوم القيامة «لولا» هلّا (أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) يدعونا «فنتّبع (٦) آياتك من قبل أن نذلّ ونخزى» (بالعذاب. والذل : الهوان. والخزي : الافتضاح) (٧). أي : لكان لهم أن يقولوا ذلك فيكون عذرا لهم ، فأمّا الآن فقد أرسلناك وبيّنا على لسانك ما عليهم وما لهم فلم تبق لهم حجة ألبتة.
روى أبو سعيد الخدري (٨) : قال ـ عليهالسلام (٩) ـ : «يحتجّ على الله يوم القيامة ثلاثة الهالك في الفترة ، يقول : لم يأتني رسول (١٠) ، وتلا (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) والمغلوب على عقله يقول : لم تجعل لي عقلا أنتفع به ، ويقول الصّغير : كنت صغيرا لا أعقل ، فترتفع لهم النّار (١١) ، ويقال (١٢) ادخلوها ، فيدخلها من كان في علم الله أنّه شقيّ ، ويبقى من كان في علم الله أنّه سعيد ، فيقول (١٣) : إيّاي عصيتم فكيف برسلي (١٤) لو أتوكم» (١٥).
فصل
قال الجبائي : هذه الآية تدل على وجوب فعل اللّطف إذ المراد أنه يجب (١٦) أن يفعل بالمكلفين ما يؤمنون عنده ، ولو لم يفعل لكان لهم أن يقولوا : هلّا فعلت ذلك بنا لنؤمن؟ وهلّا أرسلت إلينا رسولا فنتّبع آياتك؟ وإن كان في المعلوم أنهم لا يؤمنون ، وإن
__________________
(١) في الأصل : كقوله وهو تحريف.
(٢) واستظهره أبو حيان البحر المحيط ٦ / ٢٩٢.
(٣) في ب : وجوزه الزمخشري وقوله. وهو تحريف.
(٤) في ب : أنّ.
(٥) قال الزمخشري : (ذكّر الضمير الراجع إلى البينة لأنها في معنى البرهان والدليل) الكشاف ٢ / ٤٥٣.
(٦) في ب : قوله فنتبع.
(٧) ما بين القوسين في ب : بالذل والهوان والعذاب والافتضاح.
(٨) هو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري أبو سعيد الخدري ، له ولأبيه صحبة استصغر بأحد ، ثم شهد ما بعدها ، وروى الكثير مات بالمدينة سنة ٧٤ ه تقريبا. تهذيب التهذيب ١٢ / ٢٨٩.
(٩) في ب : عليه الصّلاة والسّلام.
(١٠) في ب : رسولا.
(١١) في ب : فترتفع النار لهم.
(١٢) في ب : ويقال لهم.
(١٣) في ب : فتقول.
(١٤) في ب : برسل.
(١٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٧ ـ ١٣٨ ، والقرطبي ١١ / ٢٦٥.
(١٦) يجب : سقط من ب.