إما من «من» (١) الأولى أو الثانية على قول من رفع بالظرف (٢).
يعني : أنه إذا جعلنا «من» في قوله : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ) مرفوعا بالفاعلية والرافع الظرف وذلك (٣) على رأي الأخفش (٤) جاز أن يكون (لا يَسْتَكْبِرُونَ) حالا من «من» الأولى ، وإما من «من» الثانية ؛ لأن الفاعل يجيء منه الحال. ومفهومه : أنا إذا جعلناها مبتدأ لا يجيء «يستكبرون» حالا وكأنه يرى أن الحال لا يجيء من المبتدأ ، وهو رأي لبعضهم (٥). ويجوز أن يكون (لا يَسْتَكْبِرُونَ) حالا من الضمير المستكن في (عنده) الواقع صلة (٦) وأن يكون حالا من الضمير المستكن في «له» الواقع خبرا(٧).
والوجه الثاني من وجهي «من» : أن تكون مبتدأ و (لا يَسْتَكْبِرُونَ) خبره ، وهذه جملة معطوفة على جملة قبلها (٨) ، وهل الجملة من قوله : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ) استئنافية أو معادلة لجملة قوله : (وَلَكُمُ الْوَيْلُ) أي لكم الويل ولله جميع العالم علويه وسفليه والأول أظهر (٩)(وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) أي : لا يكلون ولا يتعبون ، يقال : استحسر البعير أي : كلّ وتعب قال علقمة بن عبدة :
٣٧٠٦ ـ بها جيف الحسرى فأمّا عظامها |
|
فبيض وأمّا جلدها فصليب (١٠) |
ويقال : حسر البعر وحسرته أنا ، فيكون لازما ومتعديا (١١) ، وأحسرته أيضا ، فيكون فعل وأفعل بمعنى في أحد وجهي فعل (١٢).
__________________
(١) من : سقط من الأصل.
(٢) من : تكملة من التبيان.
(٣) التبيان ٢ / ٩١٤.
(٤) في الأصل : ودال. وهو تحريف.
(٥) انظر البيان ٢ / ١٥٨.
(٦) وهو رأي سيبويه والكوفيين ، قال سيبويه : (وتقول : مررت برجل معه كيس مختوم عليه ، الرفع الوجه لأنه صفة الكيس ، والنصب جائز على قوله : فيها رجل قائما ، وهذا رجل ذاهبا) الكتاب ٢ / ٥٢ ، وانظر أيضا ٢ / ٨٨ الهمع ١ / ٢٤٣.
(٧) انظر التبيان ٢ / ٩١٤.
(٨) انظر البيان ٢ / ١٥٩ ، التبيان ٢ / ٩١٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٠٢.
(٩) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٠٢.
(١٠) البيت من بحر الطويل ، وهو في شرح الديوان (١٤) ، الكتاب ١ / ٢٠٩ ، إيضاح الشعر ٣٣٤ ، ٥٠٦ ، الإفصاح ٣٧٢ ، المفضليات ٣٩٤ ، جيف : جمع جيفة وهي جثه الميت إذا نتنت. الحسرى : جمع حسير من حسرت الدابة إذا أعيت وكلت ، وهي المعيية يتركها أصحابها فتموت. وهو موطن الشاهد هنا.
وجعل عظامها بيضا لطول العهد ، أو لأن الوحوش والطير أكلت ما عليها من اللحم فبدت بيضا ، الصليب : الودك الذي يخرج من الجلد ، والمراد به هنا الجلد اليابس الذي لم يدبغ.
(١١) وفي اللسان (حسر): (حسرت الدابة والناقة حسرا واستحسرت : أعيت وكلّت ، يتعدى ولا يتعدى) وانظر البحر المحيط ٦ / ٣٠٣.
(١٢) قال الزجاج : (وحسرت الناقة وأحسرتها : أتعبتها) فعلت وأفعلت : ٢٧ وهذا على وجه التعدي في الثلاثي ، أما على لزوم الثلاثي فالهمزة أدت معنى التعدية في المزيد بها.