والوحي قد (١) جاء في القرآن لا بمعنى النبوة قال تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)(٢)(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ)(٣) ثم (٤) اختلفوا في المراد بهذا الوحي على وجوه (٥) :
الأول (٦) : أنه رؤيا رأتها (٧) أم موسى (٨) ، وكان تأويلها وضع موسى عليهالسلام (٩) في التابوت ، وقذفه في البحر ، وأن الله تعالى يرده إليها (١٠).
الثاني (١١) : أنه عزيمة جازمة وقعت في قلبها دفعة واحدة.
الثالث (١٢) : المراد منه (١٣) خطور البال وغلبته على القلب.
فإن قيل : الإلقاء في البحر قريب من الإهلاك ، وهو مساو للخوف الحاصل من القتل المعتاد من فرعون ، فكيف يجوز الإقدام على أحدهما لأجل الصيانة عن الثاني؟ فالجواب لعلّها عرفت بالاستقراء صدق رؤياها ، فكان الإلقاء في البحر إلى السلامة أغلب على ظنها من وقوع الولد في يد فرعون ، أو لعله (١٤) أوحى إلى بعض الأنبياء في ذلك الزمان كشعيب (١٥) أو غيره (١٦) ، ثم إن ذلك النبي عرفها إمّا مشافهة ، أو مراسلة.
واعترض عليه (١٧) بأن (١٨) الأمر لو كان كذلك لما لحقها الخوف. وأجيب (١٩) : ذلك الخوف كان من لوازم البشرية ، كما أن موسى ـ عليهالسلام (٢٠) ـ كان يخاف من فرعون مع أن الله ـ تعالى ـ كان أمره بالذهاب إليه مرارا.
الرابع من الأوجه (٢١) : لعل بعض الأنبياء المتقدمين كإبراهيم وإسحاق ويعقوب ـ عليهمالسلام (٢٢) ـ أخبروا بذلك الخبر ، وانتهى ذلك الخبر إلى أمه. أو لعل (٢٣) الله بعث إليها ملكا لا (٢٤) على وجه النبوة كما بعث إلى مريم في قوله : (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا)(٢٥).
__________________
(١) قد : سقط من ب.
(٢) [النحل : ٦٨].
(٣) [المائدة : ١١].
(٤) في ب : فصل.
(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٠ ـ ٥٢.
(٦) في ب : أحدها.
(٧) في ب : أنها. وهو تحريف.
(٨) في ب : أم موسى عليهالسلام.
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) في الأصل : عليها.
(١١) في ب : ثانيها.
(١٢) في ب : ثالثها.
(١٣) في ب : بذلك.
(١٤) في ب : أو لأنه.
(١٥) في ب : إلى شعيب عليه الصلاة والسلام.
(١٦) في الأصل : وغيره.
(١٧) في ب : فإن قيل : واعترض عليه.
(١٨) في الأصل : أن.
(١٩) في ب : فالجواب.
(٢٠) في ب : عليهم الصلاة والسلام.
(٢١) في الأصل : الثالث.
(٢٢) في ب : عليهم الصلاة والسلام.
(٢٣) في ب : أو لأن.
(٢٤) لا : سقط من الأصل.
(٢٥) [مريم : ١٧].