السّموات والأرض عالم الغيب والشّهادة إنّي أعهد إليك بأنّي (١) أشهد أنّ لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك (٢) وأنّ محمّدا عبدك ورسولك ، فإنّك (٣) إن تكلني إلى نفسي تقرّبني من الشّر ، وتباعدني من الخير ، وإنّي لا أثق إلّا برحمتك ، فاجعل لي عهدا توفنيه يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد. فإذا قال ذلك طبع عليه بطابع ووضع (٤) تحت العرش ، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين الذين لهم عند الرّحمن عهد؟ فيدخلون الجنّة» (٥). فظهر أن المراد من العهد كلمة (٦) الشهادة ، وظهر (٧) وجه الدلالة على ثبوت الشفاعة لأهل الكبائر.
قوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) تقدم خلاف القراء في قوله «ولدا» بفتح اللام وسكونها ، وأنهما لغتان (٨) مثل العرب والعرب والعجم والعجم (٩).
واعلم أنه لمّا ردّ على عبدة الأوثان عاد إلى الردّ على من أثبت له ولدا (١٠).
فقالت اليهود : عزيز ابن الله ، وقالت النصارى : المسيح ابن الله (١١) ، وقالت العرب : الملائكة بنات الله. وههنا الرد على الذين قالوا : الملائكة بنات الله ، وهم العرب الذين يعبدون الأوثان ، لأن الرد على النصارى تقدم أول السورة (١٢).
قوله : (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا). العامة على كسر الهمزة من «إدّا» (١٣) ، وهو الأمر العظيم المنكر المتعجب منه. قاله ابن عباس (١٤). «وقال مجاهد : عظيما (١٥)» (١٦) وقرأ أمير المؤمنين (١٧) والسلمي (١٨) بفتحها (١٩). وخرّجوه على حذف مضاف ، أي شيئا ذا أدّ (٢٠) «لأنّ
__________________
(١) في ب : أني.
(٢) لك : سقط من الأصل.
(٣) في ب : فإني.
(٤) ووضع : سقط من الأصل.
(٥) انظر الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١٠٩).
(٦) في الأصل : كلمتي.
(٧) في ب : وظهور وظهور.
(٨) عند قوله تعالى : «أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً» [٧٧ من السورة نفسها].
(٩) في ب : والعجز والعجز. وهو تحريف.
(١٠) في ب : ولد.
(١١) قال الله تعالى :«وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» [التوبة : ٣٠].
(١٢) وتقدم الرّد على كل من اليهود والنصارى في قوله تعالى : «وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ، وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ» [التوبة : ٣٠].
(١٣) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ١٧٣ ، البحر المحيط ٦ / ٢١٨.
(١٤) انظر القرطبي ١١ / ١٥٦.
(١٥) المرجع السابق.
(١٦) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٧) هو عليّ بن أبي طالب.
(١٨) تقدم.
(١٩) معاني القرآن للفراء ٢ / ١٧٣ ، المختصر (٨٦) ، المحتسب ٢ / ٤٥ ، البحر المحيط ٦ / ٢١٨.
(٢٠) أي : أنه وصف بالمصدر على حذف مضاف مثل رجل عدل ، ويجوز فيه وجه آخر ، وهو أن تجعله نفس المصدر مبالغة ، وذلك أنه يكثر الوصف بالمصدر قصدا للمبالغة أو توسعا بحذف مضاف ، ويلزم ـ