وقرىء شاذا «فيدمغه» بضم الميم (١) ، وهي محتملة لأن يكون في المضارع لغتان يفعل ويفعل ، وأن يكون الأصل الفتح والضمة للإتباع في حرف الحلق (٢).
و«يدمغه» أي يصيب دماغه من قولهم : دمغت الرجل ، أي ضربته في دماغه كقولهم : رأسه وكبده ورجله ، إذا أصاب منه (٣) هذه الأعضاء. وأصل الدمغ شج الرأس حتى يبلغ الدماغ (٤). واستعار القذف والدمغ تصويرا لإبطاله به ، فجعله كأنه جرم صلب كالصخرة مثلا قذف به على جرم رخو أجوف فدمغه : أهلكه وأذهبه (٥)(فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) ذاهب ، (وَلَكُمُ الْوَيْلُ) يعني من كذب الرسول ونسب القرآن إلى أنه سحر وأضغاث أحلام ، وغير ذلك من الأباطيل.
قوله : (مِمَّا تَصِفُونَ) فيه أوجه :
أحدها : أنه متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر ، أي : استقر لكم الويل من أجل ما تصفون. و«من» تعليلية. وهذا وجه وجيه.
والثاني : أنه متعلق بمحذوف.
والثالث : أنه حال من الويل ، أي : الويل واقعا مما تصفون ، كذا قدره أبو البقاء (٦) و«ما» في (مِمَّا تَصِفُونَ) يجوز أن تكون مصدرية (٧) فلا عائد عند الجمهور (٨) ، وأن
__________________
ـ ضرورة. وقيل : إن الفعل مؤكد بنون التوكيد الخفيفة على حد قوله تعالى : (لَنَسْفَعاً) [العلق : ١٥] وعلى هذا فالفعل مبني لا معرب. وقد تقدم.
(١) انظر الكشاف ٣ / ٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٠٢.
(٢) مضارع (فعل) بفتح العين يجيء على ثلاثة أوجه : أحدها (يفعل) بكسر العين نحو ضرب يضرب.
والثاني (يفعل) بضم العين نحو نصر ينصر.
وهل القياس الكسر أو الضم؟ فيه خلاف فعند أبي زيد هما سواء وكثرة أحدهما ترجع إلى الاستعمال ، وقال بعضهم : القياس الكسر ، لأنه أكثر ، وأيضا هو أخف من الضم. والثالث (يفعل) بفتح العين ، ولا يكون إلا وموضع عينه أو لامه حرف من أحرف الحلق نحو ذهب يذهب ، ومدح يمدح وذلك لأن أحرف الحلق سافلة في الحلق يتعسر النطق بها فأرادوا أن يكون قبلها إن كانت لاما أو بعدها إن كانت عينا الفتحة التي هي جزء الألف التي هي أخف الحروف ، فتعدل خفتها ثقلها فيسهل النطق بأحرف الحلق الصعبة وهذا غير لازم ، بدليل ما جاء منه على الأصل نحو برأ يبرؤ وهنأ يهنىء. فعلى هذا يكون مضارع دفع يدفع بفتح الميم ، لأن لام الفعل حرف حلقي ، وهذا هو الأصل في مضارعه.
وتكون قراءة «فيدفعه» بضم الميم محتملة لعدم لزوم الفتح في الحلقي وأن يكون ضم الميم إتباعا لضم حرف الحلق وهو لام الفعل انظر نزهة الطرف في علم الصرف ٩٨ ـ ١٠٠ ، وشرح الشافية ١ / ١١٧ ـ ١١٩.
(٣) منه : مكرر في الأصل.
(٤) انظر القرطبي ١١ / ٢٧٧.
(٥) انظر الكشاف ٣ / ٦ ، الفخر الرازي ٢٢ / ١٤٨.
(٦) قال أبو البقاء («مِمَّا تَصِفُونَ» حال ، أي : ولكم الويل واقعا) التبيان ٢ / ٩١٤.
(٧) انظر التبيان ٢ / ٩١٤.
(٨) وذلك على قولهم بأن (ما) المصدرية حرف ، خلافا للمبرد والمازني والسهيلي وابن السراج والأخفش ـ