(لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) أي : من عندنا من الحور العين لا من عندكم من أهل الأرض.
وقيل : معناه لو كان ذلك جائزا في صفته لم يتخذه بحدث يظهر لهم ويستر ذلك حتى لا يطلع عليه. وتأويل الآية : أن النصارى لما قالوا في المسيح وأمه ما قالوا رد الله عليهم بهذا ، وقال : (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) ، لأنكم تعلمون (١) أن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده لا عند غيره (٢).
قوله : (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) في «إن» هذه وجهان :
أحدهما : أنها نافية ، أي : ما كنا فاعلين ، قاله قتادة ومقاتل وابن جريج (٣).
والثاني : أنها شرطية ، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب «لو» (٤) عليه والتقدير : إن كنا فاعلين اتخذناه ولكنا لم نفعله ، لأنه لا يليق بالربوبية (٥). قوله : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ). «بل» حرف إضراب عن اتخاذ اللهو واللعب وتنزيه لذاته كأنه قال : سبحاننا أن نتخذ اللهو واللعب بل من موجب حكمتنا أن نغلب (٦) اللعب بالجد وندحض الباطل بالحق (٧). والمعنى دع الذي قالوا فإنه كذب وباطل. و«نقذف» نرمي ونسلط قال تعالى : (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً)(٨) أي يرمون بالشهب. «بالحقّ» بالإيمان ، (عَلَى الْباطِلِ) على الكفر وقيل : الحق قول الله : إنه لا ولد له ، والباطل قولهم : اتخذ الله ولدا. قوله : «فيدمغه» العامة على رفع الغين نسقا على ما قبله. وقرأ عيسى بن عمر بنصبها (٩) قال الزمخشري (١٠) : وهو في ضعف قوله :
٣٧٠٥ ـ سأترك منزلي لبني تميم |
|
وألحق بالحجاز فأستريحا (١١) |
__________________
(١) في ب : لا تعلمون.
(٢) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٤٧٨ ـ ٤٧٩.
(٣) وهو قول المفسرين لأن «إن» التي في معنى النفي يكثر مجيء «إلا» بعدها. انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٠٠ ، معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٨٧ التبيان ٢ / ٩١٣ ، والقرطبي ١١ / ٢٧٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٠٢.
(٤) وهو قوله : «لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا».
(٥) وهو قول النحويين ، واستظهره أبو حيان. انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٠٠ ، معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٨٧. التبيان ٢ / ٩١٣.
القرطبي ١١ / ٢٧٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٠٢.
(٦) في ب : نقلب.
(٧) انظر الكشاف ٣ / ٦ ، الفخر الرازي ٢٢ / ١٤٧ ـ ١٤٨.
(٨) من قوله تعالى : «لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ» [الصافات : ٨ ، ٩].
(٩) في ب : بنصبهما. وهو تحريف. وقد وجه أبو البقاء قراءة النصب بأن الحمل فيه على المعنى أي بالحق فالدفع. انظر المختصر (٩١) ، والتبيان ٢ / ٩١٣ ، والبحر المحيط ٦ / ٣٠٢.
(١٠) الكشاف ٣ / ٦.
(١١) البيت من بحر الوافر للمغيرة بن حبناء ، شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية. والشاهد فيه قوله : (فأستريحا) حيث نصب الفعل المضارع بعد فاء السببية مع أنها ليست مسبوقة بطلب أو نفي وهذا ـ