أن يقال : ثواب الإيمان يدفع عقاب المعصية؟ فإن (١) قالوا : فلو كان كذلك لوجب (٢) أن لا يجوز إقامة الحد عليه. قلنا (٣) : أما اللعن فغير جائز عندنا ، وأما إقامة الحد فقد (٤) يكون على سبيل المحنة كما في حق التائب ، وقد يكون على سبيل التنكيل. قالت المعتزلة (٥) : قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ)(٦) فالله (٧) تعالى نصّ على أنّه يجب عليه إقامة الحد على سبيل التنكيل ، وكل من كان كذلك استحال أن يكون مستحقا للمدح والتعظيم ، وإذا (٨) لم يبق ذلك لم يبق الثواب على قولنا : إن عذاب الكبيرة أولى بإزالة ثواب الطاعة المتقدمة من الطاعات بدفع عقاب الكبيرة الطارئة. فقد انتهى كلامهم في مسألة الوعيد.
قلنا (٩) : حاصل الكلام يرجع إلى أنّ النص الدال على إقامة الحد عليه على سبيل التنكيل صار معارضا للنصوص الدالة على كونه مستحقا للثواب ، فلم (١٠) كان ترجيح أحدهما على الآخر أولى من العكس ، وذلك لأن المؤمن كما ينقسم إلى السّارق وإلى غير السّارق ، فالسّارق (١١) ينقسم إلى المؤمن وغير (١٢) المؤمن ، فلم يكن لأحدهما مزية على الآخر في العموم والخصوص ، وإذا تعارضا تساقطا. ثم نقول (١٣) : لا نسلم أنّ كلمة «من» في إفادة العموم قطعية بل ظنية (ومسألتنا قطعيّة) (١٤) فلا يجوز (١٥) التعويل على ما ذكرتموه (١٦).
فصل (١٧)
تمسك المجسّمة (١٨) بقوله : (مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ)(١٩) فقالوا : الجسم إنما يأتي ربه لو كان الربّ في المكان (٢٠).
وجوابه أنّ الله تعالى جعل (٢١) إتيانهم موضع الوعد (٢٢) إتيانا إلى الله مجازا
__________________
(١) في ب : وإن.
(٢) في ب : وجب.
(٣) في ب : فالجواب.
(٤) في ب : قد.
(٥) في ب : فإن قيل قالت المعتزلة.
(٦) [المائدة : ٣٨].
(٧) في ب : فإن الله.
(٨) في ب : وإن.
(٩) في ب : فالجواب.
(١٠) في ب : فإن قيل لم.
(١١) في ب : فالمؤمن ينقسم أعني السارق. زيادة من الناسخ.
(١٢) في ب : والى غير.
(١٣) في ب : والجواب.
(١٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٥) في ب : ولا يجوز.
(١٦) آخر ما نقله عن الفخر الرازي ٢٢ / ٩٠ ـ ٩١.
(١٧) في ب : فإن قيل.
(١٨) المجسمة : فرقة متشعبة من الكرامية ، وهم الذين يرون الله في صوره جسمية مدعين أن له يدين كيدي الإنسان ورجلين كالإنسان إلى آخره. الملل والنحل ١ / ١٠٨.
(١٩) في ب : من يأت ربه مجرما.
(٢٠) في ب : مكان.
(٢١) (جعل) : تكملة من الفخر الرازي.
(٢٢) في ب : فالجواب أن إتيانهم إلى الله تعالى في موضع الوعد.