إنّ الله تعالى جعل المجرم في مقابلة المؤمن (١) فمسلم لكن هذا إنما ينفع (٢) لو ثبت أن صاحب الكبيرة مؤمن ، ومذهب المعتزلة أنه ليس بمؤمن ، فهذا المعترض كأنه (٣) بنى هذا الاعتراض على مذهب نفسه وذلك ساقط. وقوله (٤) ثانيا : إنه لا يليق بصاحب الكبيرة (أن يقال في حقه) (٥) : إنّ له جهنّم (٦) لا يموت فيها ولا يحيى. قلنا (٧) : لا نسلم فإنّ عذاب جهنّم في غاية الشدة قال تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ)(٨) وأما الحديث فقالوا : القرآن متواتر فلا يعارضه خبر الواحد ، ويمكن أن يقال : ثبت في أصول الفقه أنه يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد ، وللخصم أن يجيب بأن ذلك يفيد الظن فيجوز الرجوع إليه في العمليات ، وهذه المسألة ليست من العمليات بل من الاعتقادات ، فلا يجوز الرجوع إليه ههنا.
واعترض آخر فقال : أجمعنا على أن هذه المسألة مشروطة بنفي التوبة وبأن (٩) لا يكون عقابه محبطا بثواب (١٠) طاعته ، والقدر المشترك بين الصورتين هو أن لا يوجد ما يحبط (١١) ذلك العقاب ، لكن عندنا العفو محبط للعقاب ، وعندنا أنّ المجرم الذي لا يوجد في حقه العفو لا بد وأن يدخل جهنم (١٢).
قال (١٣) ابن الخطيب : وهذا الاعتراض أيضا ضعيف. أمّا شرط نفي التوبة فلا (١٤) حاجة إليه ، لأنه قال : «من يأت ربّه مجرما» ، لأن المجرم اسم ذم ، فلا يجوز إطلاقه على صاحب الصغيرة (١٥) ، بل الاعتراض الصحيح أن يقول : عموم هذا الوعيد معارض بما جاء بعده من عموم الوعد ، وهو قوله تعالى : (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى) ، وكلامنا فيمن أتى بالإيمان (والأعمال الصالحة) (١٦) ثم أتى (١٧) بعد ذلك ببعض (١٨) الكبائر (١٩).
فإن قيل (٢٠) : عقاب المعصية يحبط (٢١) ثواب الطاعة. قلنا (٢٢) : لم (٢٣) لا يجوز
__________________
(١) في ب : جعل المؤمن في مقابلة المجرم.
(٢) في ب : ينتفع به.
(٣) في ب : أنّه.
(٤) في ب : قوله.
(٥) ما بين القوسين سقط من ب.
(٦) في ب : إن له جهنم فإن قيل : إن له جهنم.
(٧) في ب : فالجواب.
(٨) [آل عمران : ١٩٢].
(٩) في ب : وأن.
(١٠) في ب : لثواب.
(١١) في ب : ما يحتمل. وهو تحريف.
(١٢) آخر ما نقله عن الفخر الرازي ٢٢ / ٩٠.
(١٣) في ب : فصل قال.
(١٤) في ب : لا.
(١٥) في ب : الكبيرة. وهو تحريف.
(١٦) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٧) في ب : عمل. وهو تحريف.
(١٨) في ب : بعض. وهو تحريف.
(١٩) الفخر الرازي. ٢٢ / ٩٠.
(٢٠) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٩٠ ـ ٩١.
(٢١) في ب : محيط.
(٢٢) قلنا : سقط من ب.
(٢٣) في ب : ولم.