أحدهما : أنه ضمير الباري تعالى يعود على «الرحمن» ، أي : إن الرحمن كان وعده مأتيا.
والثاني : أنه ضمير الأمر والشأن ، لأنه مقام تعظيم وتفخيم.
وعلى الأول يجوز أن يكون في «كان» ضمير هو اسمها يعود على الله ـ تعالى ـ و«وعده» بدل من ذلك الضمير بدل اشتمال ، و«مأتيّا» خبرها.
ويجوز أن لا يكون فيها ضمير ، بل هي رافعة ل «وعده» و«مأتيا» الخبر أيضا (١).
وهو نظير : إن زيدا كان أبوه منطلقا.
و«مأتيّا» فيه وجهان :
أحدهما : أنه مفعول على بابه ، والمراد بالوعد : الجنة ، أطلق عليها المصدر ، أي : موعود ، نحو درهم ضرب الأمير (٢).
وقيل : الوعد مصدر على بابه ، و«مأتيا» مفعول بمعنى فاعل (٣). ولم يرتضه الزمخشري فإنه قال: قيل في «مأتيا» مفعول بمعنى فاعل ، والوجه أن الوعد هو الجنة ، وهم يأتونها ، أو هو من قولك : أتى إليه إحسانا ، أي : كان وعده مفعولا منجزا (٤).
وقال الزجاج : كل ما وصل إليك فقد وصلت إليه ، وما أتاك فقد أتيته (٥).
والمقصود من قوله : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) بيان أن وعده تعالى ـ وإن كان بأمر غائب ـ فهو (٦) كأنه مشاهد حاصل ، والمراد (٧) تقرير ذلك في القلوب.
قوله : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً). اللغو من (٨) الكلام : ما يلقى ويطرح ، وهو المنكر من القول كقوله : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً)(٩). وقال مقاتل (١٠) : هي اليمين الكاذبة (١١) وفيه دلالة على وجوب اجتناب اللغو ، لأن الله ـ تعالى ـ نزه عنه الدار التي لا تكليف فيها ، ولقوله: (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً)(١٢) ، وقوله : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ)(١٣)(١٤) الآية(١٥).
أبدى الزمخشري فيه ثلاثة أوجه :
__________________
(١) التبيان ٢ / ٨٧٧.
(٢) المرجع السابق.
(٣) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص ٢٧٤.
(٤) الكشاف ٢ / ٤١٥.
(٥) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٣٦.
(٦) هو : سقط من ب.
(٧) المراد : سقط من ب.
(٨) في ب : في.
(٩) [الغاشية : ١١].
(١٠) تقدم.
(١١) تفسير البغوي ٥ / ٣٨٣.
(١٢) [الفرقان : ٧٢].
(١٣) من قوله تعالى : «وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ» [القصص : ٥٥].
(١٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٥) انظر الكشاف ٢ / ٤١٥ ـ ٤١٦ ، والفخر الرازي ٢١ / ٢٣٨.