أحدها : أن يكون (١) معناه : إن كان تسليم بعضهم على بعض ، أو تسليم الملائكة عليهم لغوا ، فلا يسمعون لغوا إلا ذلك ، فهو من وادي قوله : (٢)
٣٦١١ ـ ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب (٣) |
الثاني : أنهم لا يسمعون فيها إلا قولا يسلمون فيه من العيب والنقصان على الاستثناء المنقطع.
الثالث : أن معنى السلام هو الدعاء بالسلامة ، ودار السلامة هي دار السلامة ، وأهلها أغنياء عن الدعاء بالسلامة ، فكان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث ، لو لا ما فيه من فائدة الإكرام (٤).
وظاهر هذا أن الاستثناء على الأول والأخير متصل ، فإنه صرح بالمنقطع في الثاني وأما اتصال الثالث فواضح ، لأنه أطلق اللغو على السلام بالاعتبار الذي ذكره.
وأما الاتصال في الأول فعسر (٥) ، إذ لا يعدّ ذلك عيبا ، فليس من جنس الأول وسيأتي تحقيق هذا إن شاء الله ـ تعالى ـ عند قوله : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى)(٦).
قوله : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) فيه سؤالان (٧) :
السؤال الأول (٨) : أن المقصود من هذه الآيات وصف الجنة بآيات مستعظمة ووصول الرزق إليهم بكرة وعشيا ليس من الأمور المستعظمة.
والجواب من وجهين :
الأول : قال الحسن : أراد تعالى أن يرغب كل قوم بما أحبوه في الدنيا ، فلذلك ذكر أساور الذهب والفضة ، ولبس الحرير التي كانت (٩) عادة العجم ، والأرائك التي هي
__________________
(١) في ب : كان.
(٢) كان : سقط من ب.
(٣) البيت من بحر الطويل ، قاله النابغة الذبياني ، فلول جمع فلّ ، وهو كسر في حد السيف ، وسيف أفلّ : بين الفلل.
القراع والمقارعة : المضاربة بالسيوف. الكتائب : جمع كتيبة ، وهي الطائفة المجتمعة من الجيش.
والشاهد فيه أن صاحب الكشاف أورده على أنّ الاستثناء فيه استثناء متصل ، مبالغة في المدح ، أي : إن كان ولا بدّ من العيب ففيهم عيب ، وهو فلول سيوفهم من مضاربة الأعداء. وأورده علماء البديع شاهدا لتأكيد المدح بما يشبه الذم. وقد تقدم.
(٤) انظر الكشاف ٢ / ٤١٦.
(٥) في ب : وأما الاتصال الأول فعسر أعني الاتصال في الأول عسر.
(٦) [الدخان : ٥٦].
(٧) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٣٨.
(٨) في ب : أحدهما.
(٩) في ب : الذي كان.