يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) [التوبة : ١١٣] ولقوله ـ عزوجل ـ في سورة الممتحنة (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ) إلى قوله : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) [الممتحنة : ٤].
والجواب : أن الآية تدلّ على أنّه لا يجوز لنا التّأسّي به في ذلك ؛ لكنّ المنع من التأسّي به في ذلك لا يدلّ على أنّ ذلك كان معصية ؛ فإن كثيرا من الأشياء هي من خواصّ رسول الله ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ ولا يجوز لنا التّأسّي به فيها ، مع أنّها كانت مباحة له.
وأيضا : لعلّ هذا الاستغفار كان من باب ترك الأولى ، وحسنات الأبرار سيّئات المقرّبين.
قوله : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ).
قال مقاتل ـ رحمهالله ـ : كان اعتزاله إيّاهم أنّه فارقهم من «كوثى» ، فهاجر منها إلى الأرض المقدسة ، والاعتزال عن الشيء هو التّباعد عنه ، (وَأَدْعُوا رَبِّي) أعبد ربي الذي يضرّ وينفع ، والذي خلقني ، وأنعم عليّ (عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) ، أي : عسى ألّا أشقى بدعائه وعبادته ؛ كما تشقون أنتم بعبادة الأصنام ، ذكر ذلك على سبيل التواضع ؛ كقوله تعالى : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [الشعراء : ٨٢].
وقوله «شقيّا» فيه تعريض لشقاوتهم في دعاء آلهتهم.
وقيل : عسى أن يجيبني ، إن دعوته.
قوله تعالى : (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ).
ذهب مهاجرا إلى ربّه ، فعوّضه أولادا أنبياء بعد هجرته ، ولا حالة في الدّين والدّنيا للبشر أرفع من أن يجعله الله رسولا إلى خلقه ، ويلزم الخلق طاعته ، والانقياد له مع ما يحصل له من عظيم المنزلة في الآخرة.
قوله تعالى : (وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا) : «كلّا» مفعول مقدّم هو الأول ، و«نبيّا» هو الثاني.
ثم إنّه مع ذلك وهب لهم من رحمته ، قال الكلبيّ : المال والولد ، وهو قول الأكثرين ، قالوأ : هو ما بسط لهم في الدّنيا من سعة الرّزق.
وقيل : الكتاب والنبوّة. (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) :
يعني : ثناء حسنا رفيعا في كلّ أهل الأديان ، وعبّر باللسان عما يوجد باللّسان ، كما عبّر باليد عمّا يوجد باليد ، وهو العطيّة ، فاستجاب الله دعوته في قوله : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) [الشعراء : ٨٤] ، فصيّره قدوة ، حتى ادّعاه أهل الأديان كلهم. فقال سبحانه وتعالى : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) [الحج : ٧٨].
قوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥١) وَنادَيْناهُ مِنْ