قال الكلبيّ ، ومقاتل (١) ، والضحاك : لأشتمنّك ، ولأبعدنّك عنّي بالقول القبيح ، ومنه قوله سبحانه وتعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) [النور : ٤] ؛ أي : بالشّتم ، ومنه : الرّجيم ، أي : المرميّ باللّعن.
قال مجاهد : كلّ رجم في القرآن بمعنى الشّتم ، وهذا ينتقض بقوله تعالى : (رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) [الملك : ٥].
وقال ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ : لأضربنّك (٢).
وقال الحسن : لأرجمنّك بالحجارة ، وهو قول أبي مسلم (٣) ؛ لأنّ أصله الرمي بالرّجام ، فحمله عليه أولى.
وقال المؤرّج (٤) : «لأقتلنّك» بلغة قريش ، وممّا يدلّ على أنه أراد الطّرد ، والإبعاد قوله : (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا).
قوله تعالى : «مليّا» في نصبه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه منصوب على الظرف الزمانيّ ، أي : زمنا طويلا ، ومنه «الملوان» للّيل والنهار ، وملاوة الدّهر ، بتثليث الميم قال : [الطويل]
٣٦٠٧ ـ فعسنا بها من الشّباب ملاوة |
|
فللحجّ آيات الرّسول المحبّب (٥) |
وأنشد السدي على ذلك لمهلهل قال : [الكامل]
٣٦٠٨ ـ فتصدّعت صمّ الجبال لموته |
|
وبكت عليه المرملات مليّا (٦) |
أي : أبدا.
والثاني : أنه منصوب على الحال ، معناه : سالما سويّا ، قال ابن عباس : [اعتزلني سالما ؛ لا يصيبك مني معرة](٧) فهو حال من فاعل «اهجرني» وكذلك فسّره ابن عطيّة ؛ قال : «معناه: مستبدّا ، أي : غنيّا عني من قولهم : هو مليّ بكذا وكذا» قال الزمخشريّ : «أي : مطيقا».
والمعنى : مليّا بالذّهاب عنّي ، والهجران ، قيل : أن أثخنك بالضّرب ؛ حتى لا تقدر أن تبرح.
والثالث : أنه نعت لمصدر محذوف ، أي : هجرا مليّا ، يعني : واسعا متطاولا ؛ كتطاول الزمان الممتدّ.
__________________
(١) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٩٧.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١٩٥.
(٥) ينظر البيت في البحر ٦ / ١٨٣ ، الدر المصون ٤ / ٥١٠.
(٦) ينظر البيت في البحر المحيط ٦ / ١٨٤ ، القرطبي ١١ / ٧٥ ، روح المعاني ١٦ / ٩٩ ، الدر المصون ٤ / ٥١٠.
(٧) سقط من : أ.