وقرأ عبد الله وابن عباس : «جدث» بالثاء المثلثة والجيم (١) اعتبارا بقوله :
(فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ)(٢). وقرىء بالفاء ، وهي بدل منها (٣) قال الزمخشري: الثاء للحجاز (٤) ، والفاء لتميم (٥). وينبغي أن يكونا أصلين ، لأنّ كلا منهما لغة مستقلة (٦) ، ولكن كثر إبدال الثاء من الفاء ، قالوا مغثور في مغفور ، وقالوا فمّ في ثمّ ، فأبدلت هذه من هذه تارة ، وهذه من هذه أخرى (٧).
(روى حذيفة بن أسد الغفاري (٨) قال : اطلع النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ علينا ونحن نتذاكر ، فقال : «ما تذكرون؟» قالوا : نذكر الساعة قال : إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى ابن مريم ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف ، خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم (٩))(١٠).
قوله : (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ). المراد بالوعد الموعود وهو يوم القيامة.
(وسمي الموعود وعدا تجوّزا. قال الفراء وجماعة : الواو في قوله : «واقترب» مقحمة معناه : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق ، كقوله : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ)(١١) أي : ناديناه (١٢). ويدل عليه ما روى حذيفة قال : لو أنّ رجلا اقتنى فلوّا (١٣) بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة (١٤).
__________________
(١) المختصر (٩٣) ، المحتسب ٢ / ٦٦ ، الكشاف ٣ / ٢١ ، البحر المحيط ٦ / ٣٩٩.
(٢) [سورة يس : ٥١].
(٣) أي : أن الفاء بدل من الثاء. البحر المحيط ٦ / ٣٣٩.
(٤) في ب : للحجازيين.
(٥) الكشاف ٣ / ٢١.
(٦) قال ابن جني في المحتسب ٢ / ٦٦ : الجدث ـ بالثاء ـ هو القبر بلغة أهل الحجاز ، والجدف ـ بالفاء ـ لبني تميم.
(٧) وذلك أن العرب تقول في العطف : قام زيد فمّ عمرو ، وكذلك قولهم : جدف وجدث. انظر سر صناعة الإعراب ١ / ٢٤٨ ـ ٢٥١ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٩.
(٨) هو حذيفة بن أسيد الغفاري ، أبو سريحة ، شهد الحديبية ، روى عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ، وأبي بكر ، وعلي ، وأبي ذر ، روى عنه أبو الطفيل والشعبي ، وغيرهما ، مات سنة ٤٢ ه. تهذيب التهذيب ٢ / ٢١٩.
(٩) ذكره البغوي بسنده عن سفيان بن عيينة عن فرات القزاز عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري ٥ / ٥٣٢.
(١٠) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(١١) [الصافات : ١٠٣ ، ١٠٤].
(١٢) في ب : أي وناديناه. أي : أن جواب الشرط قوله : «واقترب» على زيادة الواو ، وهو مذهب الكوفيين. انظر معاني القرآن ٢ / ٢١١ ، إعراب القرآن ٢ / ٨٨ ، البيان ٢ / ١٦٦ ، التبيان ٢ / ٩٢٧.
(١٣) الفلوّ والفلو والفلو : الجحش والمهر إذا فطم ، والجمع أفلاء. اللسان (فلا).
(١٤) انظر البغوي ٥ / ٥٣٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٤٠.