يقوم مقام خبره من باب أقائم أخواك ، قال أبو البقاء : والجيد أن يكون (أنهم) (١) فاعلا سد مسد الخبر (٢). وفي هذا نظر ، لأنّ ذلك يشترط فيه أن يعتمد الوصف على نفي أو استفهام وهنا لم يعتمد المبتدأ على شيء من ذلك اللهم إلا أن ينحو نحو الأخفش فإنه لا يشترط ذلك ، وهو الظاهر (٣) ، وحينئذ يكون في (لا) الوجهان المتقدمان من الزيادة وعدمها باختلاف معنيين ، أي : امتنع رجوعهم إلى الدنيا أو عن شركهم ، إذا قدرتها زائدة ، أو امتنع عدم رجوعهم إلى عقاب الله في الآخرة ، إذا قدرتها غير زائدة.
الوجه الثاني من وجهي رفع «حرام» : أنه خبر مبتدأ محذوف ، فقدره بعضهم : الإقالة والتوبة حرام (٤) ، وقدره أبو البقاء : أي : ذلك الذي ذكر من العمل الصالح حرام (٥) وقال الزمخشري : وحرام على قرية أهلكناها ذاك ، وهو المذكور في الآية المتقدمة من العمل الصالح ، والسعي المشكور غير المكفور ، ثم علل فقيل : إنّهم لا يرجعون عن الكفر ، فكيف لا يمتنع ذلك (٦). وقرأ العامة «أهلكناها» بنون العظمة.
وقرأ أبو عبد الرحمن وقتادة «أهلكتها» بتاء المتكلم (٧). ومن قرأ «حرم» بفتح الحاء وكسر الراء وتنوين الميم فهو في قراءه صفة على فعل نحو حذر (٨) ، وقال :
٣٧٣٥ ـ وإن أتاه خليل يوم مسألة |
|
يقول لا غائب مالي ولا حرم (٩) |
__________________
(١) في ب : أنه. وهو تحريف.
(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٢٧.
(٣) وذلك أن كل وصف اعتمد على نفي أو استفهام ، وكان مرفوعه اسما ظاهرا أو ضميرا منفصلا ، وتم الكلام بمرفوعه ، استغني بمرفوعه عن الخبر نحو : أقائم الزيدان ، وما مضروب الزيدان ، وأقائم أنتما.
والأخفش والكوفيون لا يشترطون اعتماد الوصف على نفي أو استفهام فأجازوا : قائم الزيدان ، محتجين بقول الشاعر:
خبير بنو لهب فلا تك ملغيا |
|
مقالة لهبيّ إذا الطّير مرّت |
فخبير مبتدأ وبنو لهب فاعل سد مسد الخبر. ورد البصريون احتجاجهم بالبيت بأن (خبير) خبر مقدم ، و(بنو لهب) مبتدأ مؤخر ، وجاز الإخبار بالمفرد عن الجمع ، لأن (خبير) على وزن (فعيل) بزنة المصدر ، والمصدر يخبر به عن الواحد والمثنى والجمع بلفظ الواحد. وفي ذلك يقول ابن مالك :
وأول مبتدأ ، والثاني |
|
فاعل أغنى في «أسارذان» |
وقس ، وكاستفهام النّفي وقد |
|
يجوز نحو «فائز أولو الرّشد» |
انظر الهمع ١ / ٩٤ ، وشرح الأشموني ١ / ١٨٩ ـ ١٩٢.
(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٨.
(٥) التبيان ٢ / ٩٢٧.
(٦) الكشاف ٣ / ٢٠.
(٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٨.
(٨) أي : أن الوصف من (فعل) ، اللازم على (فاعل) قليل نحو سلم فهو سالم ، وإنما قياس الوصف منه (فعل) بفتح الفاء وكسر العين في الأعراض كفرح ، وكما هنا. و(أفعل) في الألوان والخلق كأخضر ، وأعور ، و(فعلان) فيما دلّ على امتلاء وحرارة البطن كشبعان وريان ، وعطشان وصديان. انظر شرح التصريح ٢ / ٧٨.
(٩) البيت من بحر البسيط ، قاله زهير بين أبي سلمى. وقد تقدم.