ومن قرأه فعلا ماضيا (١) فهو في قراءته مسند ل «أن» وما في حيزها (٢) ، ولا يخفى الكلام في (لا) بالنسبة إلى الزيادة وعدمها ، فإن المعنى واضح مما تقدم (٣).
وقرىء «إنّهم» بالكسر على الاستئناف (٤) ، وحينئذ (٥) فلا بدّ من تقدير مبتدأ يتم به الكلام تقديره : ذلك العمل الصالح حرام ، وتقدم تحرير ذلك (٦).
قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ) الآية. تقدم الكلام على (حتّى) الداخلة على (إذا) مشبعا (٧). وقال الزمخشري هنا : فإن قلت : بم تعلقت (حتّى) واقعة غاية له وأية الثلاث هي (٨)؟ قلت : هي متعلقة ب «حرام» وهي غاية له ، لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة ، وهي حتى التي يحكى بعدها الكلام ، والكلام المحكي هو الجملة من الشرط والجزاء أعني : إذا وما في حيزها (٩). وأبو البقاء نحا هذا النحو ، فقال : و«حتّى» متعلقة في المعنى ب «حرام». أي : يستمر الامتناع إلى هذا الوقت ، ولا عمل لها في «إذا» (١٠). قال الحوفي : هي غاية ، والعامل فيها ما دل عليه المعنى من تأسفهم على ما فرطوا فيه من الطاعة حين فاتهم الاستدراك (١١). وقال ابن عطية : «حتّى» متعلقة بقوله : «وتقطّعوا» (١٢) ، ويحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تتعلق ب «يرجعون» ، ويحتمل أن تكون حرف ابتداء ، وهو الأظهر بسبب (إذا) لأنها تقتضي جوابا للمقصود ذكره (١٣).
قال أبو حيان : وكون (حتّى) متعلقة ب «تقطّعوا» فيه بعد من حيث كثرة الفصل لكنه من حيث المعنى جيّد ، وهو أنهم لا يزالون مختلفين على دين الحق إلى قرب (١٤) مجيء الساعة ، فإذا جاءت الساعة انقطع ذلك كله (١٥). وتلخص في تعلق (حتّى) أوجه :
أحدها : أنها متعلقة ب «حرام» (١٦).
__________________
(١) وهي (حرم) بفتح الحاء وكسر الراء وفتح الميم ، و(حرم) بفتح الحاء والميم وضم الراء و(حرم) بفتح الجميع وحرم بضم الحاء وكسر الراء مشددة وفتح الميم.
(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٢٧.
(٣) تقدم قريبا.
(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٢٧ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣.
(٥) في ب : وح.
(٦) تقدم قريبا.
(٧) عند قوله تعالى : «حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ» [آل عمران : ١٥٢].
(٨) هي : سقط من الأصل.
(٩) أي أن (حتى) حرف ابتداء. الكشاف ٣ / ٢١.
(١٠) التبيان ٢ / ٩٢٧.
(١١) أي أنّها حرف جر متعلق بمحذوف دل عليه الكلام. ومعروف أنه يشترط في مخفوضها إذا كانت حرف جر شرطان. أحدهما : أن يكون ظاهرا لا مضمرا خلافا للكوفيين والمبرد. والثاني : أن يكون المجرور آخرا نحو أكلت السمكة حتى رأسها ، أو ملاقيا لآخر جزء نحو «سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» [القدر : ٥] انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٨ ، المغني ١ / ١٢٣.
(١٢) [الأنبياء : ٩٣].
(١٣) تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٠٥.
(١٤) في الأصل : أقرب.
(١٥) في الأصل : عنده. وانظر البحر ٦ / ٣٣٩.
(١٦) وهو قول الزمخشري وهو واضح من النص المنقول عنه فيما سبق.