ونصبه على الحال من ضمير الفاعل في «تقطّعوا» كما تقدم (١). ولم يتعرض له أبو البقاء في هذه السورة ، وتعرض له في المؤمنين (٢) ، فذكر فيه الأوجه المتقدمة ، وزاد أنه قرىء «زبرا» بسكون الباء (٣) وهو بمعنى المضمومة (٤).
قوله : (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) توعدهم (٥) بأن هذه الفرق المختلفة إليه يرجعون فيحاسبهم ويجازيهم بأعمالهم ، قال عليهالسلام (٦) : تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة ، فهلك سبعون وخلصت فرقة ، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة ، تهلك إحدى وسبعون فرقة وتخلص فرقة ، قالوا : يا رسول الله من تلك الفرقة؟ قال : «الجماعة الجماعة الجماعة» (٧) وبهذا الخبر بيّن أن المراد بقوله : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ) الجماعة المتمسكة بما بينه الله تعالى في هذه السورة من التوحيد والنبوات ، وأن قول الرسول في الناجية إنّها الجماعة ليس تعريفا للفرقة الناجية ، إذ لا فرقة تمسكت بباطل أو بحق إلا وهي جماعة من حيث العدد ، ولهذا طعن بعضهم في صحة الخبر ، فقال : إن أراد بالاثنتين وسبعين فرقة أصول الأديان فلن يبلغ هذا القدر ، وإن أراد الفروع فإنّها تتجاوز هذا القدر إلى أضعاف ذلك. وقيل أيضا ضد ذلك ، وهو أنها كلها ناجية إلا فرقة واحدة.
والجواب : قال ابن الخطيب : المراد ستفترق أمتي في حال ما وليس فيه دلالة على افتراقها في سائر الأحوال ، ولأنه (٨) لا يجوز أن يزيد وينقص (٩).
قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا
__________________
ـ على فعلة ـ بضم الفاء وسكون العين ـ اسما نحو غرفة وغرف ومدية ومدى ، فإن كان صفة نحو ضحكة لم يجمع على فعل وشذ قولهم رجل بهمة ، ورجال بهم. الثاني : ما كان على فعلى ـ بضم الفاء وسكون العين ـ أنثى أفعل صفة نحو كبرى وكبر ، فإن لم تكن فعلى أنثى أفعل كحبلى لم تجمع هذا الجمع ، انظر شرح الأشموني ٤ / ١٣٠.
(١) كما تقدم في إعراب «زبرا» بضم الزاي والباء في قراءة الجمهور.
(٢) عند قوله تعالى : «فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ» [المؤمنون : ٥٣].
(٣) قراءة عبد الوهاب عن أبي عمرو. المختصر (٩٩).
(٤) وذلك أن (فعل) بضمتين جمعا يجب في غير الضرورة تسكين عينه إن كانت واوا لثقل الضمة على الواو ، فتقول في جمع سوار سور ، ويجوز تسكين عينه إن لم تكن واوا فتقول في جمع كتاب كتب وكتب وفي جمع زبور زبر وزبر. وعلى ذلك يكون (زبر) بسكون الباء مخفف زبر بضمها. وإن كانت عين هذا الجمع ياء كسرت الفاء عند التسكين لمناسبة الياء فتقول في جمع سيال : سيل وسيل. انظر التبيان ٢ / ٩٥٧ ، شرح الأشموني ٤ / ١٣٠.
(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٩.
(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٧) أخرجه ابن ماجه (فتن) ٢ / ١٣٢٢ ، أحمد ٣ / ١٤٥.
(٨) في النسختين : ولا أنه.
(٩) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٩.