قال الكلبي : وفرقوا دينهم بينهم يلعن بعضهم بعضا ويتبرأ بعضهم من بعض. والتقطع هاهنا بمعنى : التقطيع (١).
قوله : «أمرهم» فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه منصوب على إسقاط الخافض ، أي : تفرقوا في أمرهم.
الثاني : أنه مفعول به ، وعدى «تقطعوا» لأنه بمعنى : قطعوا.
الثالث : أنه تمييز (٢) ، وليس بواضح معنى ، وهو معرفة ، فلا يصح من جهة صناعة البصريين (٣). قال أبو البقاء : وقيل : هو تمييز أي : تقطع أمرهم (٤). فجعله منقولا من الفاعلية. و«زبرا» (٥) يجوز أن يكون مفعولا ثانيا على أن تضمن (تقطعوا) معنى (صيروا) بالتقطيع (٦). وإمّا أن ينصب على الحال من المفعول ، أي : مثل زبر ، أي : كتب (٧) ، فإنّ الزبر جمع زبور كرسل جمع رسول (٨).
أو يكون حالا من الفاعل ، نقله أبو البقاء في سورة المؤمنين (٩). وفيه نظر إذ لا معنى له (١٠) ، وإنما يظهر كونه حالا من الفاعل في قراءة «زبرا» بفتح الباء (١١) أي فرقا. والمعنى : صيروا أمرهم زبرا أي تقطعوه في هذه الحال ، والوجهان مأخوذان من تفسير الزمخشري ، لمعنى (١٢) الآية الكريمة ، فإن قال : والمعنى جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعا كما يتوزع الجماعة ، ويقتسمونه ، فيصير لهذا نصيب ، ولذلك نصيب تمثيلا لاختلافهم فيه وصيرورتهم فرقا وأحزابا (١٣) وفي الكلام التفات من الخطاب وهو قوله : «أمّتكم» إلى الغيبة تشنيعا عليهم بسوء صنيعهم (١٤).
وقرأ الأعمش : «زبرا» بفتح الباء (١٥) جمع زبرة (١٦) ، وهي قطعة الحديد في الأصل
__________________
(١) انظر البغوي ٥ / ٥٢٩.
(٢) ذكر الأوجه الثلاثة أبو البقاء. التبيان ٢ / ٩٢٦.
(٣) وذلك أنّ البصريين اشترطوا تنكير التمييز ، وذهب الكوفيون وابن الطراوة إلى جواز أن يكون معرفة كقوله : وطبت النفس يا قيس عن عمرو. وقوله : علام ملئت الرعب والحرب لم تقد وقولهم : سنه زيد نفسه. وألم رأسه ، وبطرت معيشتها. والبصريون أولوا ذلك على زيادة اللام ، والمضافات نصبت على التشبيه بالمفعول به أو على إسقاط الجار ، أي : في نفسه ، وفي رأسه ، وفي معيشتها انظر الهمع ١ / ٢٥٢.
(٤) التبيان ٢ / ٩٢٦.
(٥) من قوله تعالى : «فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ» [المؤمنون : ٥٣].
(٦) التبيان : ٢ / ٩٥٧.
(٧) مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١١ ، التبيان ٢ / ٩٥٧.
(٨) وذلك أن فعل بضمتين من أمثلة جمع الكثرة وهو يطرد في نوعين.
(٩) التبيان ٢ / ٩٥٧.
(١٠) وذلك أن معنى زبر ـ بضم الفاء والعين ـ كتب.
(١١) وهي قراءة الأعمش كما سيأتي قريبا إن شاء الله.
(١٢) في ب : ولمعنى.
(١٣) الكشاف ٣ / ٢٠.
(١٤) البحر المحيط ٦ / ٣٣٧.
(١٥) المختصر (٩٩) ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٨.
(١٦) وذلك أن فعل ـ بضم الفاء وفتح العين ـ من أمثلة جمع الكثرة ، وهو يطرد في نوعين : الأول : ما كان ـ