السلام (١) ـ لأنه نفخ في جيب درعها (٢) ، فوصل النفخ إلى جوفها (٣) أي : أمرنا جبريل فنفخ في جيب درعها ، وأحدثنا بذلك النفخ المسيح في بطنها وأضاف الروح إليه تشريفا لعيسى (ـ عليهالسلام (٤) ـ) (٥).
ومعنى (أَحْصَنَتْ فَرْجَها) أي : إحصانا كليا من الحلال والحرام جميعا كما قالت : (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا)(٦). وقيل : منعت جبريل جيب (٧) درعها (٨) قبل أن تعرفه.
والأول أولى لأنه الظاهر من اللفظ (٩).
قوله : (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) أما مريم فآياتها كثيرة :
إحداها : ظهور الحبل فيها لا من ذكر ، وذلك معجزة خارجة عن العادة.
وثانيها : أنّ رزقها كان يأتيها به الملائكة من الجنة لقول زكريا : (أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ)(١٠).
وثالثها : ورابعها : قال الحسن : أنها لم تلتقم ثديا (١١) قط ، وتكلمت هي أيضا في صباها كما تكلم عيسى (١٢). وأما آيات عيسى ـ عليهالسلام (١٣) ـ فقد تقدم بيانها (١٤) فإن قيل : هلا قيل آيتين كما قال : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ)(١٥) ليطابق المفعول؟
فالجواب : أنّ كلّا منهما آية بالآخر فصارا آية واحدة ، لأنّ حالهما بمجموعهما آية واحدة ، وهي ولادتها إياه من غير فحل (١٦). أو تقول : حذف من الأول لدلالة الثاني ، أو بالعكس أي : وجعلنا ابن مريم آية وأمه كذلك (١٧) ، وهو نظير الحذف في قوله : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ)(١٨) وقد تقدم. أو أنّ معنى الكلام : وجعلنا شأنهما وأمرهما آية (١٩).
__________________
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢) درع المرأة : قميصها.
(٣) الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٨.
(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٦.
(٥) ما بين القوسين في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٦) من قوله تعالى : «قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا» [مريم : ٢٠].
(٧) في الأصل : ذيل.
(٨) في الأصل : ذرعها. وهو تحريف.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٨.
(١٠) من قوله تعالى : «قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ» [آل عمران : ٣٧].
(١١) في ب : ثدي.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٨.
(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٨.
(١٥) [الإسراء : ١٢].
(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٩. التبيان ٢ / ٩٢٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٦.
(١٧) انظر البيان ٢ / ١٦٤ ـ ١٦٥ ، التبيان ٢ / ٩٢٦.
(١٨) [التوبة : ٦٢]. والتقدير الأول أولى وهو الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه والتقدير : والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه. وهو مذهب سيبويه. البيان ١ / ٤٠١ ، التبيان ٢ / ٦٤٨. وانظر اللباب ٤ / ٢٢٦.
(١٩) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢١٠ ، معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤٠٤.