في إقامة واستقامة ، أي الألفين المحذوفة مع أنّ الأولى هي الأصل ، لأنها عين الكلمة (١) وأما اختلاف الحركة فلا أثر له أيضا ، لأن الاستثقال باتحاد لفظ الحرفين على أي حركة كانا.
الوجه الثاني : أنّ (٢) «نجّي» (٣) فعل ماض مبني للمفعول ، وإنما سكنت لامه تخفيفا ، كما سكنت في قوله : (ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا)(٤) في قراءة شاذّة تقدمت (٥) ، قالوا : وإذا كان الماضي الصحيح قد سكن تخفيفا فالمعتل أولى ، ومنه :
٣٧٣٢ ـ إنّما شعري قند |
|
قد خلط بجلجلان (٦) |
وتقدم من ذلك جملة (٧) وأسند (٨) هذا الفعل إلى ضمير المصدر مع وجود المفعول الصريح كقراءة أبي جعفر (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٩) وهذا رأي الكوفيين والأخفش (١٠) ، وتقدمت شواهد ذلك ، والتقدير : نجّي النجاة ، قال أبو البقاء : وهو ضعيف من وجهين :
__________________
(١) فالخليل وسيبويه على أنّ المحذوف الألف الثانية ، والأخفش والفراء على أن المحذوف الألف الأولى.
(٢) أن : سقط من ب.
(٣) في ب : تنجي. وهو تحريف.
(٤) من قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» [البقرة : ٢٧٨].
(٥) وذلك أن أبيّا قرأ «ما بقي» بكسر القاف وسكون الياء. المختصر (١٧).
(٦) البيت من مجزوء الرمل ، قاله وضاح اليمن ، وهو في الحجة ٢ / ٦٦ ، اللسان (جلل) والبحر المحيط ١ / ٤٢. وقبله :
ضحك الناس وقالوا |
|
شعر وضاح الكباني |
القند : عسل قصب السكر ، ويروى (شهد) والشهد بفتح الشين وضمها وسكون الهاء : العسل ما دام لم يعصر من شمعه ، ويروى (ملح) بكسر الميم ومعناه الحسن من الملاحة ، ويروى (فيد) بفتح الفاء وسكون الياء : وهو ورد الزعفران وقيل : ورقه. الجلجلان : ثمرة الكزبرة ، وقيل : حب السمسم ، وقيل : ما في جوف التين.
والاستشهاد بالبيت على حذف حركة اللام من الفعل الماضي الصحيح اللام في خلط.
(٧) تقدم في السورة السابقة.
(٨) في الأصل : واسكن. وهو تحريف.
(٩) من قوله تعالى : «قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» [الجاثية : ١٤] وقراءة أبي جعفر «ليجزى» بضم الياء وفتح الزاي بالبناء للمجهول. النشر ٢ / ٣٧٢.
(١٠) وذلك أنّ الكوفيين والأخفش يجوزون إنابة غير المفعول به مع وجوده مطلقا ، غير أن الأخفش يشترط تقدم النائب ، واستدلوا على ذلك بقراءة أبي جعفر«لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» ببناء (يجزى) للمفعول ، وبقول الشاعر :
لم يعن بالعلياء إلا سيدا |
|
ولا شفى ذا الغي إلا ذو هدى |
وقول الآخر :
وإنّما يرضي المنيب ربّه |
|
ما دام معنيا بذكر قلبه |
ومذهب البصريين لا يجوز إنابة غير المفعول به مع وجوده ، وأولوا قراءة أبي جعفر بأن النائب منها ضمير مستتر يعود على الغفران المفهوم من يغفروا وحملوا البيتين على الضرورة وانظر البيان ٢ / ١٦٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٥ ، الهمع ١ / ١٦٢ ، شرح الأشموني ٢ / ٦٧ ـ ٦٨.