وثانيها : قوله : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) وذلك يقتضي كونه شاكا في قدرة الله.
وثالثها : قوله : (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) والظلم مذموم قال تعالى : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)(١).
ورابعها (٢) : أنه لو لم يصدر منه الذنب ، فلم عاقبه الله بأن ألقاه في البحر في بطن الحوت.
وخامسها : قوله : (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ)(٣) والمليم هو ذو الملامة ومن كان كذلك فهو مذنب.
وسادسها : قوله : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ)(٤) فإن لم يكن صاحب ذنب لم يجز النهي عن التشبّه به وإن كان مذنبا فهو المطلوب.
وسابعها : قوله : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ)(٤) وقال : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ)(٤) وهذا يقتضي أنّ ذلك الفعل مخرج أن يكون يونس من أولي العزم.
والجواب : أنه ليس في الآية من غاضبه ، فلا نقطع على نبي الله بأنه غاضب ربه ، لأنّ ذلك صفة من يجهل كون الله مالكا للأمر والنهي ، والجاهل بالله لا يكون مؤمنا فضلا عن أن يكون نبيا.
وأما ما روي من أنه خرج مغاضبا لأمر يرجع إلى الاستعداد فمما يرتفع حال الأنبياء عنه ، لأنّ الله تعالى إذا أمرهم بشيء فلا يجوز أن يخالفوه ، لقوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(٥) وقوله : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ (٦) فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا) يجدون (فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ)(٧). فإذا كان في الاستعداد مخالفة لم يجز أن يقع ذلك منهم. وإذا ثبت أنه لا يجوز صرف هذه المغاضبة إلى الله وجب أن يكون المراد أنه خرج مغاضبا لغير الله ، والغالب أنه إنما يغاضب من يعصيه فيما يأمره به ، فيحمل على مغاضبة قومه ، أو الملك ، أو هما جميعا ومعنى مغاضبته لقومه أنه غاضبهم لمفارقته لخوف (٨) حلول العذاب بهم ، وقرىء «مغضبا» كما تقدم (٩) وأما قولهم : مغاضبة القوم أيضا محظورة لقوله : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ)(١٠).
__________________
(١) [هود : ١٨].
(٢) في الأصل : رابعها.
(٣) [الصافات : ١٤٢].
(٤) [الأحقاف : ٣٥].
(٤) [الأحقاف : ٣٥].
(٤) [الأحقاف : ٣٥].
(٥) [الأحزاب : ٣٦].
(٦) في ب : يحلموك. وهو تحريف.
(٧) [النساء : ٦٥].
(٨) في ب : بخوف.
(٩) وهي قراءة أبي شرف.
(١٠) [القلم : ٤٨].