وأما قراءة الجماعة فالفعل مسند للصّمّ فانتصب «الدّعاء» مفعولا به (١). وأما قراءة الحسن الأولى فأسند الفعل فيها إلى ضمير الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهي كقراءة ابن عامر في المعنى. وأما قراءته الثانية فأسند الفعل فيها إلى «الصّم» (٢) قائما مقام الفاعل ، فانتصب الثاني وهو «الدّعاء» وأما قراءة أبي عمرو فإنه أسند الفعل فيها إلى الدعاء على سبيل الاتساع وحذف المفعول الثاني للعلم به ، والتقدير : ولا يسمع الدعاء الصم شيئا البتة (٣) ولما وصل أبو البقاء إلى هنا قال : (وَلا يَسْمَعُ) فيه قراءات وجوهها ظاهرة (٤) ولم يذكرها. و«إذا» في ناصبه وجهان :
أحدهما : أنه «يسمع».
والثاني : أنه «الدّعاء» فأعمل المصدر المعرف ب (أل) (٥) وإذا (٦) أعملوه في المفعول الصريح ففي الظرف أولى (٧).
قال الزمخشري : فإن قلت : الصم (٨) لا يسمعون دعاء المبشّر كما لا يسمعون دعاء المنذر ، فكيف قيل : (إِذا ما يُنْذَرُونَ)؟ قلت : اللّام في «الصّم» عائدة إلى هؤلاء المنذرين كائنة للعهد لا للجنس ، والأصل : ولا يسمعون إذا ما ينذرون ، فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامّهم وسدهم أسماعهم (٩) إذا أنذروا ، أي أنتم على هذه الصفة من الجراءة والجسارة على التصامّ عن (١٠) الإنذار والآيات (١١). ثم بيّن تعالى أن حالهم سيتغير (١٢) إلى أن يصيروا بحيث إذا شاهدوا اليسير مما (١٣) أنذروا به ، فعنده يسمعون ويعتذرون ويعترفون حيث لا ينتفعون ، وهذا المراد بقوله (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) وأصل النفح من الريح : اللين (١٤). قال الزمخشري : في المس والنفحة ثلاث مبالغات ، لفظ المس ، وما في النفح من معنى القلّة والنزار يقال : نفحته الدابة : رمحته رمحا يسيرا (١٥). والنفح (١٦) : الخطرة. قال ابن عباس (١٧) :
__________________
(١) أضافوا الفعل إلى الصم فارتفعوا بفعلهم ، لأنه نفى السمع عنهم ، وتعدى الفعل إلى مفعول وهو «الدعاء» لأنه ثلاثي. انظر الكشف ٢ / ١١١.
(٢) في الأصل : الضم. وهو تحريف.
(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٦.
(٤) التبيان ٢ / ٩١٩.
(٥) المرجع السابق.
(٦) في ب : وإذ.
(٧) وإعمال المصدر المعرف ب (أل) أجازه سيبويه وبعض البصريين. انظر شرح الأشموني ٢ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥.
(٨) في ب : الضم. وهو تحريف.
(٩) في ب : سماعهم.
(١٠) في الأصل : على.
(١١) الكشاف ٣ / ١٣.
(١٢) في النسختين : يستعين. وما أثبته هو الصواب.
(١٣) في ب : فما ، وهو تحريف.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٦.
(١٥) الكشاف ٣ / ١٣. وفيه : يقال : نفحته الدابة وهو رمح يسير ، ونفحه بعطية : رضخه.
(١٦) في ب : النفخ. وهو تصحيف.
(١٧) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٤٩٠.