قوله : (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) المعنى : ما يتخذونك إلا هزوا ، وهذا رجوع إلى (١) تهجين كفرهم. قال السدي ومقاتل : نزلت في أبي جهل قربه النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وكان أبو سفيان مع أبي جهل ، فقال أبو جهل (٢) لأبي سفيان : هذا نبيّ عبد مناف ، فقال أبو سفيان : وما تنكر (٣) أن يكون نبيا في بني عبد مناف. فسمع (٤) رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قولهما فقال لأبي جهل «ما أراك (٥) تنتهي حتى ينزل بك (٦) ما نزل بعمك (٧) الوليد بن المغيرة ، وأما أنت يا أبا سفيان فإنما قلت ما قلته رحمة». فنزلت هذه الآية (٨). قوله : (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ) «إن» هنا نافية ، وهي وما في حيزها جواب الشرط بإذا (٩). و«إذا» مخالفة لأدوات الشرط في ذلك ، فإن أدوات الشرط متى أجيبت ب (إن) النافية أو ب (ما) النافية وجب الإتيان بالفاء تقول : إن أتيتني فإن أهنتك ، أو فما أهنتك ، وتقول : إذا أتيتني ما أهنتك بغير فاء يدل له قوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا)(١٠) و«اتخذ» هنا متعد لاثنين و«هزوا» هو الثاني إما على حذف مضاف ، وإما على الوصف بالمصدر مبالغة ، وإما على وقوعه موقع اسم المفعول (١١).
وفي جواب «إذا» قولان :
أحدهما : أنه «إن» النافية وقد تقدم.
والثاني : أنه محذوف ، وهو القول الذي قد حكي به الجملة الاستفهامية في قوله (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) إذ التقدير : وإذا رآك الذين كفروا يقولون أهذا الذي ، وتكون الجملة المنفية معترضة بين الشرط وبين جوابه المقدر (١٢).
قوله : (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) «هم» (١٣) الأولى مبتدأ مخبر عنه ب «كافرون» ، و«بذكر» متعلق بالخبر ، والتقدير : وهم كافرون بذكر ، و«هم» الثانية (١٤) تأكيد (١٥) للأول تأكيدا لفظيا ، فوقع الفصل بين العامل ومعموله بالمؤكد ، وبين المؤكد والمؤكد بالمعمول. وفي هذه الجملة قولان :
أحدهما : أنها في محل نصب على الحال من فاعل القول المقدر ، أي (١٦) : يقولون ذلك وهم على هذه الحالة (١٧).
__________________
(١) في الأصل : لا. وهو تحريف.
(٢) في ب : أبي جهل. وهو تحريف.
(٣) في ب : نكر.
(٤) في ب : وسمع.
(٥) في ب : ما أدراك.
(٦) في الأصل : بعمك. وهو تحريف.
(٧) في ب : ما نزل بك بعمك.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٠ ، والبحر المحيط ٦ / ٣١١.
(٩) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١١.
(١٠) [الجاثية : ٢٥].
(١١) انظر التبيان ٢ / ٩١٨ ، البحر المحيط ٦ / ٣١٢.
(١٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٢.
(١٣) هم : سقط من ب.
(١٤) في ب : الثاني.
(١٥) في ب : تأكيدا.
(١٦) في الأصل : و.
(١٧) واستظهره أبو حيان. البحر المحيط ٦ / ٣١٢.