في (ذائِقَةُ الْمَوْتِ) في تقدير الانفصال ، لأنه لما يستقبل (١) ، كقوله (٢) : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ)(٣) و (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ)(٤).
قوله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) «نبلوكم» نختبركم (بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) بالشدة والرخاء ، والصحة والسقم والغنى والفقر. وقيل : بما تحبون وما تكرهون (٥) لكي يشكر على المنح ويصبر على المحن ، فيعظم ثوابه إذا قام بما يلزم. وإنما سمي ذلك ابتلاء (٦) وهو عالم بما يكون من أعمال العالمين قبل وجودهم لأنه في صورة الاختبار (٧). قوله : «فتنة» في نصبه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مفعول من أجله (٨).
الثاني : أنه مصدر في موضع الحال ، أي فاتنين (٩).
الثالث : أنه مصدر من معنى العامل لا من لفظه ، لأن الابتلاء فتنة ، فكأنه قيل : نفتنكم فتنة (١٠). ثم قال : (وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) أي : إلى حكمه ومحاسبته ومجازاته بيّن بذلك بطلان قولهم في نفي البعث والمعاد (١١). وقرأ العامة «ترجعون» بتاء الخطاب مبنيا للمفعول (١٢). وغيرهم بياء الغيبة على الالتفات(١٣).
__________________
(١) وتسمى هذه الإضافة بالإضافة اللفظية ، وبالإضافة غير المحضة ، وهي أن يكون المضاف وصفا يشبه الفعل المضارع وهو كل اسم فاعل أو مفعول بمعنى الحال أو الاستقبال أو صفة مشبهة ولا تكون إلا بمعنى الحال. فمثال اسم الفاعل هذا ضارب زيد الآن أو غدا. واسم المفعول هذا مضروب الأب. والصفة المشبهة هذا حسن الوجه. وهذه الإضافة لا تفيد تخصيصا ولا تعريفا ، والدليل على ذلك وصف النكرة في قوله تعالى : «هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ» [المائدة : ٩٥] وإنما تفيد التخفيف وهو حذف التنوين ونون الجمع والتثنية من المضاف ورفع القبح في نحو مررت بالرجل الحسن الوجه ففي رفع الوجه على الفاعلية قبح خلو الصفة عن ضمير يعود على الموصوف وفي نصبه على التشبيه بالمفعول به قبح إجراء الفعل القاصر مجرى وصف الفعل المتعدي ، وفي الجر تخلص منهما. انظر شرح التصريح ٢ / ٢٧ ـ ٢٩.
(٢) في ب : لقوله.
(٣) من قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ» [المائدة : ١] ف «محلي» اسم فاعل مضاف إلى مفعوله.
(٤) [المائدة : ٩٥]. ف «بالِغَ الْكَعْبَةِ» نعت ل «هديا» و«هديا» نكرة وهذا دليل على أن الإضافة غير المحضة لا تفيد تخصيصا ولا تعريفا.
(٥) انظر البغوي ٥ / ٤٨٦.
(٦) في الأصل : ابتداء وهو تحريف.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٦٩ ـ ١٧٠.
(٨) انظر التبيان ٢ / ٩١٨ ، والبحر المحيط ٦ / ٣١١.
(٩) المرجعان السابقان.
(١٠) انظر الكشاف ٣ / ١١ ، التبيان ٢ / ٩١٨ ، والبحر المحيط ٦ / ٣١١.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٠.
(١٢) في السبعة قال ابن مجاهد : (روى عباس عن أبي عمرو : «يرجعون» بالياء مضمومة وقرأ ابن عامر وحده «ترجعون» بنصب التاء ، والباقون «إلينا ترجعون» بضم التاء) ٤٢٩.
(١٣) قال أبو حيان : (وقرأت فرقة بضم الياء للغيبة مبنيا للمفعول على سبيل الالتفات) البحر المحيط ٦ / ٣١١.