قوله : «أفإن متّ» تقدم نظيره في آل عمران عند قوله (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ)(١) وفي هذه الآية دليل لمذهب سيبويه ، وهو أنه إذا اجتمع شرط واستفهام (٢) أجيب الشرط ، فتكون الآية قد دخلت فيها همزة الاستفهام على جملة الشرط والجملة المقترنة بالفاء جواب الشرط ، وليست مصبّا للاستفهام ، وزعم يونس أن الاستفهام منصب على الجملة المقترنة بالفاء ، وأن الشرط معترض بين الاستفهام وبينها ، وجوابه محذوف (٣). وليس بشيء إذ لو كان كما قال لكان التركيب : أفإن مت هم الخالدون بغير فاء (٤). وكان ابن عطية ينحى منحى يونس فإنه قال : وألف الاستفهام داخلة في المعنى على جواب الشرط (٥).
قوله (٦) : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) هذا العموم (٧) مخصوص فإن له تعالى نفسا لقوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ)(٨) مع أن الموت لا يجوز عليه.
قال ابن الخطيب : وكذا الجمادات لها نفوس ، وهي لا تموت ، والعام المخصوص حجه فيبقى معمولا به فيما عدا هذه الأشياء ، وذلك يبطل قول الفلاسفة في أن الأرواح البشرية والعقول والنفوس الفلكية لا تموت (٩). واعلم أن الذوق هاهنا لا يمكن إجراؤه على ظاهره ، لأن الموت ليس من جنس المطعوم حتى يذاق ، بل الذوق إذ ذاك خاص ، فيجوز جعله مجازا عن أصل الإدراك (١٠).
وأما الموت فالمراد منه هنا مقدماته من الآلام العظيمة ، لأن الموت قبل دخوله في الوجود يمتنع إدراكه ، وحال وجوده يصير الشخص ميتا ، والميت لا يدرك شيئا والإضافة
__________________
(١) [آل عمران : ١٤٤].
(٢) في النسختين : وقسم. والصواب ما أثبته.
(٣) أي : أن الشرط إذا دخل دخل عليه همزة الاستفهام فمذهب سيبويه أن همزة الاستفهام داخلة على جملة الشرط والجواب لكونهما كجملة واحدة.
وزعم يونس أن جملة الجزاء هي مصب الاستفهام ، وجملة الشرط معترضة بين همزة الاستفهام وجملة الجزاء ، وجوابها محذوف. والحق مذهب سيبويه لأن الأولى أن يجعل الجواب للشرط ويجعل الاستفهام داخلا على الشرط والجزاء معا كدخول الموصول عليهما معا في نحو جاءني الذي إن تأته يشكرك والآية دليل لمذهبه فالفاء في «فهم» لجواب الشرط ، وفي «فإن» للسببية ولو كان التقدير : أفهم الخالدون لم يقل : فإن مت بل كان يقول أئن مت فهم الخالدون أي : أفهم الخالدون إن مت. والأصل عدم الحكم بزيادة الفاء. انظر الكتاب ٣ / ٨٢ ـ ٨٣ ، وشرح الكافية ٢ / ٣٩٤ ـ ٣٩٥. والتبيان ١ / ٢٩٦ ، والبحر المحيط ٦ / ٣١٠ ـ ٣١١.
(٤) انظر البيان ٢ / ١٦١ ، البحر المحيط ٦ / ٣١١.
(٥) تفسير ابن عطية ١٠ / ١٤٦ ، وفيه : (وقدمت في أول الجملة ، لأن الاستفهام له صدر الكلام ، والتقدير : أفهم الخالدون إن مت؟ والفاء في قوله تعالى «أفإن» عاطفة جملة على جملة).
(٦) في ب : قوله تعالى.
(٧) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٦٩.
(٨) [المائدة : ١١٦].
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٦٩.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٦٩.