أحدهما : أنه مصدر أيضا ، ففيه الوجهان المتقدمان في الساكن التاء (١).
والثاني : أنه فعل بمعنى مفعول كالقبض والنّفض (٢) بمعنى المقبوض والمنفوض ، وعلى هذا فكان ينبغي أن يطابق مخبره في التثنية. وأجاب الزمخشري عن ذلك فقال : هو على تقدير موصوف ، أي : كانتا شيئا رتقا (٣).
وقال المفضل (٤) : لم يقل : كانتا رتقين كقوله : (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ)(٥) وحّد «جسدا» كذلك ما نحن فيه كل واحد رتق (٦).
ورجح بعضهم (٧) المصدرية بعدم المطابقة في (٨) التثنية ، وقد عرف جوابه (٩) وله أن يقول : الأصل عدم حذف الموصوف ، فلا يصار إليه دون ضرورة والرتق : الانضمام ، ارتتق حلقه أي : انضم ، وامرأة رتقاء أي : منسدة الفرج فلم يمكن جماعها من ذلك.
والفتق : فصل ذلك المرتتق. وهو من أحسن البديع هنا حيث قابل الرتق بالفتق (١٠).
فصل
قال ابن عبّاس (١١) في رواية عكرمة والحسن وقتادة وسعيد بن جبير : كانتا شيئا واحدا ملتزمين ففصل الله بينهما ، ورفع السماء إلى حيث هي وأقر الأرض. وهذا القول يوجب أن خلق الأرض مقدم على خلق السماء ، لأنه تعالى لما فصل بينهما جعل الأرض حيث هي ، وأصعد الأجزاء السماوية. قال كعب : خلق الله السموات والأرض ملتصقتين ، ثم خلق ريحا توسطتهما ففتقتهما. وقال مجاهد والسدي : كانت السموات مرتتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع سموات ، وكذلك الأرض كانت مرتتقة طبقة واحدة
__________________
(١) وهما أن تجعله قائما مقام المفعول. أو تجعله على حذف مضاف أي ذواتي رتق.
(٢) النفض بالتحريك : ما تساقط من الورق والثمر وهو فعل بمعنى مفعول كالقبض بمعنى المقبوض.
اللسان (نفض).
(٣) الكشاف ٣ / ٩.
(٤) في الأصل : وقال المفصل اللام.
(٥) [الأنبياء : ٨] أي أنه مفرد في موضع الجمع والمضاف محذوف. انظر التبيان ٢ / ٩١٢.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٦٢.
(٧) وهو أبو الفضل الرازي حيث قال : (الأكثر في هذا الباب أن يكون المتحرك منه اسما بمعنى المفعول ، والساكن مصدرا ، وقد يكونان مصدرين لكن المتحرك أولى بأن يكون في معنى المفعول ، لكن هنا الأولى أن يكونا مصدرين ، فأقيم كل واحد منهما مقام المفعولين ألا ترى أنه قال : «كانَتا رَتْقاً» فلو جعلت أحدهما اسما لوجب أن تثنيه ، فلما قال : «رتقا» كان في الوجهين كرجل عدل ، ورجلين عدل ، وقوم عدل) البحر المحيط ٦ / ٣٠٩.
(٨) في ب : و. وهو تحريف.
(٩) وهو جواب الزمخشري المتقدم ، وهو على تقدير موصوف.
(١٠) وهي ما يسمى بالطباق ، وهو الجمع بين المتضادين ، أي : معنيين متقابلين في الجملة الإيضاح (٣٤٨).
(١١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٦٢ ـ ١٦٣.