أحدهما : أن ثم موصوفا محذوفا قامت صفته وهي الظرف مقامه ، والتقدير : هذا ذكر من كتاب معي ومن كتاب قبلي (١).
والثاني : أن «معي» بمعنى عندي (٢). ودخول «من» على «مع» في الجملة نادر ، لأنها ظرف لا يتصرف (٣).
وقد ضعف أبو حاتم (٤) هذه القراءة ، ولم ير لدخول «من» على «مع» وجها (٥). ووجهه بعضهم بأنه اسم هو ظرف نحو (قبل وبعد) فكما تدخل (من) على أخواته كذلك تدخل عليه (٦). وقرأ طلحة : «ذكر معي وذكر قبلي» بتنوينهما دون (من) فيهما (٧). وقرأ طائفة «ذكر من» بالإضافة ل «من» كالعامة (وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) بتنوينه وكسر ميم (٨) «من» (٩) ووجهها (١٠) واضح مما تقدم (١١).
فصل
قال ابن عباس (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) أي : هو الكتاب المنزل على من معي ، «وهذا ذكر من قبلي» (١٢) أي : الكتاب الذي نزل على من تقدمني من الأنبياء وهذه التوراة والإنجيل والزبور والصحف. وليس في شيء منها أني أذنت بأن تتخذوا إلها من دوني بل
__________________
(١) انظر التبيان ٢ / ٩١٥.
(٢) انظر المحتسب ٢ / ٦١ ، البحر المحيط ٦ / ٣٠٦.
(٣) من الظروف التي لا تتصرف (مع) ، وهي اسم لمكان الاجتماع أو وقته تقول : زيد مع عمرو ، وجئت مع العصر ، وهي اسم معرب ملازم للإضافة لا ينفك عنها إلا مستعملا حالا بمعنى جميع كقول الشاعر :
بكت عيني اليسرى فلمّا زجرتها |
|
عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا |
ويدل على اسميتها تنوينها في قولك : معا ، ودخول (من) عليها ، حكى سيبويه : ذهب من معه ، وقراءة يحيى بن يعمر لهذه الآية. والمشهور فيها فتح العين ، وهو فتح إعراب ، وربيعة وغنم تسكين عينها إذا وليها متحرك نحو زيد مع عمرو ، وكقول جرير :
وريشي منكم وهواي معكم |
|
وإن كانت زيارتكم لماما |
وزعم سيبويه أن تسكين العين ضرورة. واسميتها حين السكون باقية خلافا لمن زعم حرفيتها حين ذلك ، وادعى النحاس الإجماع عليه ، وهو غير صحيح. ونقل فيها فتح عينها وكسرها إذا وليها ساكن نحو مع القوم. انظر الكتاب ٣ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧ ، شرح الأشموني ٢ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥. الهمع ١ / ٢١٧ ـ ٢١٨.
(٤) هو سهل بن محمد بن عثمان بن القاسم أبو حاتم السجستاني ، كان إماما في علوم القرآن واللغة والشعر قرأ كتاب سيبويه على الأخفش مرتين ، وروى عن أبي عبيدة وأبي زيد والأصمعي وغيرهم ، وعنه ابن دريد وغيره ، صنف إعراب القرآن ، لحن العامة ، القراءات ، الوحوش وغير ذلك مات سنة ٢٥٥ ه بغية الوعاة ١ / ٦٠٦ ـ ٧٠٧.
(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٠٦.
(٦) هذا التوجيه لأبي حيان ، البحر المحيط ٦ / ٣٠٦.
(٧) المختصر (٩١) ، البحر المحيط ٦ / ٣٠٦.
(٨) ميم : سقط من ب.
(٩) البحر المحيط ٦ / ٣٠٦.
(١٠) في ب : ثم من وجهها. وهو تحريف.
(١١) من توجيه قراءة يحيى بن يعمر.
(١٢) في ب : قبل وهو تحريف.