(وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ)(١) وذلك لأن أعم العام يصح نفيه ولا يصح إيجابه (٢).
فجعل المانع صناعيا مستندا إلى ما ذكر من عدم صحّة إيجاب أعم العام. وأحسن من هذا (٣) ما ذكره أبو البقاء من جهة المعنى قال : ولا يجوز أن يكون بدلا ، لأن المعنى يصير إلى قولك : لو كان فيهما الله لفسدتا (٤) ألا ترى أنك لو قلت : ما جاءني قومك إلا زيد (٥) على البدل لكان المعنى : جاءني زيد وحده(٦).
ثم ذكر الوجه الذي رد به الزمخشري فقال : وقيل يمتنع البدل ، لأن قبلها إيجابا (٧). ومنع أبو البقاء النصب على الاستثناء لوجهين :
أحدهما : أنه فاسد في المعنى ، وذلك أنك إذا قلت : لو جاءني القوم إلا زيدا لقتلتهم ، كان معناه أن القتل امتنع لكون زيد مع القوم ، ولو نصبت (٨) في الآية لكان المعنى : أن فساد السموات والأرض امتنع لوجود الله تعالى مع الآلهة ، وفي ذلك إثبات إله مع الله. وإذا رفعت على الوصف لا يلزم مثل ذلك ، لأن المعنى لو كان فيهما غير الله لفسدتا (٩).
والوجه الثاني : أن «آلهة» هنا نكرة ، والجمع إذا كان نكرة لم يستثن منه عند جماعة من المحققين ، إذ لا عموم له بحيث يدخل فيه المستثنى لو لا الاستثناء (١٠). وهذا الوجه
__________________
ـ بعض من كل عند البصريين ، وعطف نسق عند الكوفيين لأن (إلا) عندهم من حروف العطف في باب الاستثناء خاصة نحو قوله تعالى : «ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ» [النساء : ٦٦] بالرفع في قراءة السبعة غير ابن عامر (السبعة ٢٣٥) ويجوز فيه النصب على الاستثناء. أما إذا كان الاستثناء منقطعا فإن لم يمكن تسليط العامل على المستثنى وجب النصب نحو ما زاد هذا المال إلا ما نقص ، وما نفع زيد إلا ماضي وإن أمكن تسليط العامل المستثنى نحو ما قام القوم إلا حمارا. فالحجازيون يوجبون النصب ، وتميم ترجحه وتجيز الإتباع. انظر شرح التصريح ١ / ٣٤٩ ـ ٣٥٣. شرح الأشموني ٢ / ١٤٤ ـ ١٤٨.
(١) [هود : ٨١]. وذلك على قراءة رفع «امرأتك» وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو ، وباقي السبعة بالنصب (السبعة : ٣٣٨).
(٢) الكشاف ٣ / ٧.
(٣) في ب : هذه.
(٤) في ب : لو كان فيهما آلهة إلّا الله لفسدتا.
(٥) في ب : زيدا.
(٦) التبيان ٢ / ٩١٤. لأن المبدل منه في حكم الطرح ، وذلك من جهة المعنى ، فلو طرح المبدل منه في الآية لفسد المعنى كما ذكر أبو البقاء. وانظر أيضا التبيان ٢ / ١٥٩.
(٧) التبيان ٢ / ٩١٥ ، وانظر أيضا البيان ٢ / ١٥٩.
(٨) في ب : نصب.
(٩) في ب : لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا.
(١٠) التبيان ٢ / ٩١٥ ، وابن هشام ذكر في هذه الآية أنه لا يجوز في «إلا» هذه أن تكون للاستثناء من جهة المعنى ، إذ التقدير حينئذ لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا ، وذلك يقتضي بمفهومه أنه لو كان فيهما آلهة فيهم الله لم تفسدا ، وليس ذلك المراد. ولا من جهة اللفظ ، لأن (آلهة) جمع منكر في ـ