وببعضها (١) يلعنون أعداء الله. أو يقال : معنى قوله : «لا يفترون» أنهم لا يفترون عن العزم على أدائه في(٢) أوقاته اللائقة به كما يقال : إن فلانا مواظب على الجماعة لا يفتر عنها ، لا يراد به أنه أبدا مشتغل بها ، بل يراد به أنه مواظب على العزم على أدائها في أوقاتها (٣).
قوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا) هذه «أم» المنقطعة ، فتقدر ب (بل) التي لإضراب الانتقال وبالهمزة التي معناها الإنكار (٤). و«اتخذ» يجوز أن يكون بمعنى (صنع) فيتعلق «من» به (٥) ، وجوّز أبو حيّان أن يكون بمعنى (صيّر) التي في قوله (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً)(٦) ، قال : وفيه معنى الاصطفاء والاختيار(٧). و (مِنَ الْأَرْضِ) يجوز أن يتعلق بالاتخاذ كما تقدم ، وأن يتعلق بمحذوف على أنها نعت ل «آلهة» أي من جنس الأرض (٨).
قوله : (هُمْ يُنْشِرُونَ) جملة في محل نصب صفة ل «آلهة». وقرأ العامة «ينشرون» بضم حرف المضارعة من أنشر (٩). وقرأ الحسن بفتحها وضم الشين (١٠) يقال : أنشر الله الموتى فنشروا. ونشر يكون لازما ومتعديا (١١). قوله (١٢) : (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً) استفهام
__________________
(١) في النسختين : وبعضها.
(٢) في ب : و.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٤٩.
(٤) (أم) المنقطعة هي المسبوقة بالخبر المحض نحو قوله تعالى : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) [السجدة : ٢ ، ٣]. أو المسبوقة بهمزة لغير الاستفهام نحو قوله تعالى : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها) [الأعراف : ١٩٥] ، إذ الهمزة في ذلك للإنكار. أو المسبوقة باستفهام بغير الهمزة نحو قوله : (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) [الرعد : ١٦] ومعنى «أم» المنقطعة الذي لا يفارقها الإضراب ثم تارة تكون له مجردا نحو قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) [الرعد : ١٦]. وتارة تتضمن مع ذلك استفهاما إنكاريا. نحو قوله تعالى : (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) [الطور : ٣٩] وذلك كالآية التي نتعرض لها فإن «أم» فيها للإضراب الذي يتضمن استفهاما إنكاريا. والإضراب هنا للانتقال من غرض إلى غرض فالكلام من أول السورة إلى ههنا كان في النبوات وما يتصل بها من الكلام سؤالا وجوابا وأما هذه الآيات فإنها في بيان التوحيد ونفي الأضداد والأنداد وتارة تتضمن مع ذلك استفهاما طلبيا نحو قولهم : إنها لإبل أم شاء ، التقدير : بل هي شاء. انظر المغني ١ / ٤٤ ـ ٤٥.
(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٠٤.
(٦) [النساء : ١٢٥].
(٧) البحر المحيط ٦ / ٣٠٤.
(٨) انظر التبيان ٢ / ٩١٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٠٤.
(٩) والمعنى : أم اتخذوا آلهة يحيون الموتى. معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٨٨. القرطبي ١١ / ٢٧٨.
والبحر المحيط ٦ / ٣٠٤.
(١٠) مضارع نشر ، وأنشر ونشر لغتان ، والمعنى على هذه القراءة : أم اتخذوا آلهة لا يموتون يحيون أبدا.
معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٨٨ ، البحر المحيط ٦ / ٣٠٤.
(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٠٤.
(١٢) في ب : فصل.