أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) والمراد أنهم طلبوا منه حالة (١) لا يتطرق إليها شيء من هذه الاحتمالات.
وقال المفسرون (٢) : إن المشركين اقتسموا القول فيه (٣) وفيما يقوله ، فقال بعضهم (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) أي : أباطيلها وأهاويلها رآها في النوم. وقال بعضهم : (بَلِ افْتَراهُ) أي : اختلقه. وقال بعضهم: بل محمد شاعر ، وما جاءكم به شعر «فليأتنا» محمد «بآية» إن كان (٤) صادقا (كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) من الرسل بالآيات (٥).
قوله : (كَما أُرْسِلَ) يجوز في هذه الكاف وجهان :
أحدهما : أن يكون في محل جر نعتا ل «آية» ، أي : بآية مثل آية (٦) إرسال الأولين (ما) مصدرية (٧).
الثاني (٨) : أن يكون نعتا لمصدر محذوف ، أي إتيانا مثل إرسال الأولين (٩). فأجابهم الله تعالى بقوله : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ) أي : قبل مشركي مكة «من قرية» أتتهم الآيات (أَهْلَكْناها) أي : أهلكناهم بالتكذيب (أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) إن جاءتهم آية» (١٠) والمعنى : أنهم في العتو أشد من الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات ، وعاهدوا أنهم يؤمنون عندها ، فلما جاءتهم نكثوا وخالفوا ، فأهلكهم الله ، فلو أعطيناهم ما يقترحون لكانوا أشد نكثا (١١).
قال الحسن : إنما لم يجابوا لأن حكم الله تعالى (١٢) أن من كذب بعد الإجابة إلى ما اقترحه ، فلا بدّ من أن ينزل به عذاب الاستئصال ، وقد مضى حكمه في أمة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ خاصة بخلافه فلذلك لم يجبهم(١٣). وتقدم الكلام في إعراب نظير (١٤) قوله : (أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ)(١٥).
قوله : (نُوحِي إِلَيْهِمْ). قرأ حفص : «نوحي» بنون العظمة مبنيا للفاعل ، أي نوحي نحن والباقون بالياء وفتح الحاء مبنيا للمفعول (١٦) ، وقد تقدم في يوسف (١٧). وهذه
__________________
(١) في ب : حا. وهو تحريف.
(٢) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٤٧٥.
(٣) فيه : سقط من ب.
(٤) في ب : ظن. وهو تحريف.
(٥) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٤٧٥.
(٦) آية : سقط من ب.
(٧) في ب : فأجابهم الله تعالى ف (ما) مصدرية. انظر البحر المحيط ٦ / ٢٩٨.
(٨) في ب : والثاني.
(٩) انظر التبيان ٢ / ٩١٢ ، البحر المحيط ٦ / ٢٩٧.
(١٠) انظر البغوي ٥ / ٤٧٥ ـ ٤٧٦.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٤٣.
(١٢) في ب : لأن علم الله مع. وهو تحريف.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٤٣.
(١٤) في ب : نظيره. وهو تحريف.
(١٥) وهو قوله تعالى : «أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ» [الأعراف : ٩٧]. انظر اللباب ٤ / ٧٥.
(١٦) السبعة ٤٢٨ ، الحجة لابن خالويه ٢٤٨ ، الكشف ٢ / ١٤ ـ ١٥ النشر ٢ / ٢٩٦ ، الإتحاف (٣٠٦).
(١٧) عند قوله تعالى : «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى» [يوسف : ١٠٩] وذكر ـ