والثالث : أنه متعلق ب «يعلم» (١) ، وهو قريب مما قبله (٢). وحذف متعلق (السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) للعلم به. والمعنى : لا يخفى عليه شيء (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوالهم «العليم» بأفعالهم. قال الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل : يعلم السر لقوله (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) قلت : القول عام يشمل السر والجهر ، فكان في العلم به العلم بالسر وزيادة ، فكان (٣) آكد في بيان الاطلاع على نجواهم من أن يقول : يعلم السر ، كما أن قوله : «يعلم السّرّ» آكد من أن يقول : يعلم سرهم (٤).
فإن قلت : لم ترك الآكد في سورة الفرقان في قوله : (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٥)؟ قلت : ليس بواجب أن يجيء بالآكد في كل موضع ولكن يجيء بالتوكيد تارة (٦) وبالآكد أخرى. ثم الفرق أنه قدم هنا أنهم أسروا النجوى ، فكأنه قال : إن ربي يعلم ما أسروه ، فوضع القول موضع ذلك للمبالغة ، وثم قصد (٧) وصفه ب «عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرّة» (٨)(٩) وإنما قدم «السميع» على «العليم» لأنه لا بد من سماع الكلام أولا ثم من حصول العلم بمعناه (١٠). قوله : (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) خبر مبتدأ محذوف ، أي هو أضغاث (١١) والجملة نصب بالقول. واعلم أنه تعالى (١٢) عاد إلى حكاية قولهم : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ) ثم قال «بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر» فحكى عنهم هذه الأقوال (١٣) الخمسة ، وترتيب كلامهم أن كونه بشرا مانع من كونه رسولا لله. سلمنا أنه غير مانع ، ولكن لا نسلم أن هذا القرآن معجز ، ثم إما أن يساعد على أن فصاحة القرآن خارجة عن مقدور (١٤) البشر ، قلنا : لم لا يجوز أن يكون ذلك سحرا ، وإن لم يساعد عليه فإن ادّعينا كونه في نهاية الركاكة ، قلنا : إنه أضغاث أحلام. وإن ادّعينا أنه متوسط بين الركاكة والفصاحة ، قلنا : إنه افتراه ، وإن ادّعينا أنه كلام فصيح ، قلنا : إنه من جنس فصاحة سائر الشعر. وعلى جميع هذه التقديرات فإنه لا يثبت كونه معجزا (١٥). ولما فرغوا من تقدير (١٦) هذه الاحتمالات قالوا : (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما
__________________
(١) انظر التبيان ٢ / ٩١٢.
(٢) في الضعف.
(٣) في ب : فكأنه.
(٤) لأن (يعلم السرّ) أعم من (يعلم سرهم) لأنه فيه علم سرهم وسر غيرهم.
(٥) [الفرقان : ٦].
(٦) تارة : مكررة في ب.
(٧) في ب : قصده.
(٨) ذره : سقط من ب. [سبأ : ٣].
(٩) الكشاف ٣ / ٣ ـ ٤. بتصرف يسير. ويبدو أن ابن عادل نقل نص الزمخشري من الفخر الرازي ٢٢ / ١٤٢ ـ ١٤٣.
(١٠) الفخر الرازي ٢٢ / ١٤٣.
(١١) وقدره أبو البقاء : هذا أضغاث. التبيان ٢ / ٩١٢.
(١٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٤٣.
(١٣) في النسختين : الأحوال. والتصويب من الفخر الرازي.
(١٤) في ب : مقدار. وهو تحريف.
(١٥) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٤٣.
(١٦) تقدير : سقط من ب.