قلنا (١) : لما سلمت كونه مجازا فالأصل عدمه ، وأما قوله (٢) : يقال (٣) أمرته بشرب الدواء فعصاني ، قلنا (٤) : لا نسلّم أن هذا الاستعمال مروي (٥) عن العرب ، ولئن سلّمنا ذلك لكنهم إنما يطلقون ذلك إذا أجزموا عليه بالفعل (٦). وحينئذ يكون معنى الإيجاب حاصلا ، وإن لم يكن الوجوب حاصلا ، وذلك يدل على أنّ لفظ العصيان لا يجوز (٧) إطلاقه إلا عند تحقق الإيجاب ، لكنا أجمعنا على أن الإيجاب من الله تعالى(٨) يقتضي الوجوب (٩) ، فيلزم أن يكون إطلاق لفظ العصيان على آدم ـ عليهالسلام ـ إنما كان لكونه تاركا للواجب ومن الناس من سلّم أن الآية تدل على صدور المعصية منه ، لكنه زعم أن المعصية كانت من الصغائر لا من الكبائر ، وهذا قول عامة المعتزلة. وهذا أيضا ضعيف (١٠) ، لأنا (١١) بينا أن اسم العاصي اسم للذم ، وأن ظاهره يدل على أنه يستحق العقاب ، وذلك لا يليق بالصغيرة ، وأجاب أبو مسلم : بأنه عصى في مصالح الدنيا لا فيما يتصل بالتكاليف ، وكذا القول في «غوى».
وهذا أيضا بعيد ، لأن مصالح الدنيا مباحة ، من تركها لا يوصف بالعصيان الذي هو اسم ذم ، ولا يقال : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ)(١٢).
وأما التمسك بقوله : «فغوى» فأجابوا عنه من وجوه :
أحدها : أنه خاب من نعيم الجنة ، لأنه إنما أكل من الشجرة ليدوم ملكه ، فلما أكل زال ، فلما خاب سعيه قيل : إنّه غوى.
وتحقيقه أن الغيّ ضدّ الرشد ، والرشد هو أن يتوصل بشيء إلى شيء فيصل إلى المقصود ، ومن توصل بشيء إلى شيء فحصل ضد مقصوده كان ذلك غيا.
وثانيها : قال بعضهم غوى أي : بشم من كثرة الأكل (١٣).
قال ابن الخطيب : والأولى عندي في هذا الباب أن يقال : هذه الواقعة كانت قبل النبوة ، وقد تقدم شرح ذلك في البقرة. وهاهنا بحث لا بد منه ، وهو أن ظاهر القرآن وإن دلّ على أن آدم عصى وغوى (١٤) ، ولكن ليس لأحد أن يقول : إن آدم كان عاصيا غاويا.
ويدل على صحة هذا القول أمور :
__________________
(١) في ب : فالجواب.
(٢) في ب : قولك.
(٣) يقال : سقط من ب.
(٤) قلنا : سقط من ب.
(٥) في الأصل : يروى.
(٦) في ب : بالعقل. وهو تحريف.
(٧) في ب : لا يتحقق أي لا يجوز.
(٨) تعالى : سقط من ب.
(٩) من هنا سقط من ب ، وأشرت إليه من بدايته لكثرته.
(١٠) في الأصل : ضعيفا.
(١١) في الأصل : لا.
(١٢) من الآية : (٢٢) من سورة الأعراف.
(١٣) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٧ ـ ١٢٨.
(١٤) في النسختين : وإن دلّ على قوله : وعصى وغوى. وهو تحريف.