أحدها : قال العتبي (١) : يقال للرجل يخيط ثوبه خاط ثوبه ، ولا يقال : هو خياط حتى يعاوده ويعتاده ، ويصير معروفا بالخياطة.
وهذه الزلة لم تصدر عن آدم إلا مرة واحدة ، فوجب أن لا يجوز إطلاق الاسم عليه.
وثانيها : أن على تقدير أن تكون هذه الواقعة إنما وقعت قبل النبوة ، لم يجز بعد أن قبل الله توبته وشرّفه بالرسالة والنبوة إطلاق هذا الاسم عليه كما لا يقال لمن (٢) أسلم بعد الكفر أو شرب أو زنا ثم تاب وحسنت توبته لا يقال له بعد ذلك كافر أو شارب أو زان (٣) فكذا هنا.
وثالثها : أن قولنا : عاص وغاو (٤) يوهم كونه عاصيا في أكثر الأشياء ، (وغاويا عن معرفة الله تعالى) (٥) ولم ترد هاتان اللفظتان في القرآن مطلقتين بل مقرونتين بالقصة التي عصى فيها ، فكأنه قال : عصى في كيت وكيت ، وذلك لا يوهم ما ذكرنا.
ورابعها : أنه يجوز (٦) من الله ما لا يجوز من غيره ، كما يجوز للسيد من ولده وعبده عند معصيته من إطلاق القول ما لا يجوز لغيره (٧).
قوله : (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ) أي : اختاره واصطفاه ، (فَتابَ عَلَيْهِ) بالعفو وهداه إلى التوبة حين قال : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا)(٨).
قال عليهالسلام : لو جمع بكاء أهل الدنيا إلى بكاء داود لكان بكاؤه أكثر ولو جمع ذلك إلى نوح لكان بكاؤه أكثر ، وإنما سمي نوحا لنوحه على نفسه. ولو جمع ذلك كله إلى بكاء آدم على خطيئته كان بكاؤه أكثر (٩).
قال وهب : لمّا كثر بكاؤه أمره الله تعالى أن يقول : «لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي فإنك خير الغافرين» فقالها آدم ، ثم قال : قل «سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب» (١٠).
قال ابن عباس : هذه (١١) الكلمات التي تلقاها آدم من ربه (١٢).
__________________
(١) هو محمد بن عبيد. من ولد عتبة بن أبي سفيان بن حرب ، والأغلب عليه الأخبار وأكثر أخباره عن بني أمية وأيامهم ، وكان العتبي شاعرا ، وأصيب ببنين له فكان يرثيهم ، وكان مستهترا بالشراب ، مات سنة ٢٢٨ ه. المعارف ٥٣٨.
(٢) في النسختين : لم. والصواب ما أثبته.
(٣) في الأصل : زاني.
(٤) في النسختين : عاصي وغاوي.
(٥) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
(٦) في النسختين : أنه لا يجوز.
(٧) الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٨.
(٨) من قوله تعالى : «قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لن وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» [الأعراف : ٢٣].
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٩.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٩.
(١١) في النسختين : هن.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٩.