ما لم يروا بنو إسرائيل (١) وعرفت ما لم يعرفوا.
قال ابن عباس : علمت ما لم يعلموا ، ومنه قولهم : رجل بصير ، أي : عالم قاله أبو عبيدة (٢) وأراد أنه رأى جبريل عليهالسلام فأخذ من موضع حافر دابته قبضة من تراب ، فقال : (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ).
وقرأ ابن مسعود : «من أثر فرس الرّسول» (٣) والمراد بالرسول جبريل ـ عليهالسلام ـ (عند عامّة المفسرين ، وأراد بأثره التراب الذي) (٤) أخذه (٥) من موضع حافر دابته لما (٦) رآه يوم فلق البحر. وعن عليّ ـ رضي الله عنه ـ أنّ جبريل ـ عليهالسلام ـ لمّا نزل ليذهب موسى إلى الطور أبصره السّامريّ من بين الناس(٧).
واختلفوا (٨) في أنه كيف اختص (٩) السامريّ برؤية جبريل ومعرفته من بين الناس؟
فقال ابن عبّاس في رواية الكلبي : إنّما عرفه ، لأنه رآه في صغره ، وحفظه من القتل حين أمر فرعون بذبح أولاد بني إسرائيل ، فكانت المرأة إذا ولدت طرحت ولدها حيث لا يشعر به آل فرعون ، فيأخذ الملائكة الولدان ويربونهم حتى يترعرعوا ويختلطوا بالناس ، فكان السامريّ ممن أخذه جبريل ـ عليهالسلام ـ ، وجعل كفّ نفسه في فيه وارتضع منه اللبن والعسل (١٠) ليربيه ـ فلما (١١) قضي على يديه من الفتنة فلم يزل يختلف إليه (١٢) حتى عرفه.
قال ابن جريح : فعلى هذا قوله : (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) يعني رأيت ما لم يروه. ومن فسّر الإبصار بالعلم فهو صحيح ، ويكون المعنى علمت أن تراب فرس جبريل ـ عليهالسلام ـ له خاصة الإحياء ، وذلك أنه كان كلما رفع الفرس يديه أو رجليه في مشيه على الطريق اليبس يخرج تحته النبات في الحال.
وقال أبو مسلم : ليس في القرآن تصريح بما ذكره المفسرون فهنا (١٣) وجه آخر ، وهو أن يكون المراد بالرسول موسى ـ عليهالسلام (١٤) ـ ، وبأثره سنته ورسمه الذي أمر به فقد يقول الرجل : إنّ فلانا يقفو أثر فلان يقتص (١٥) أثره إذا كان يمتثل رسمه ، والتقدير أنّ موسى ـ عليهالسلام (١٦) ـ لمّا أقبل على السامريّ باللوم والمسألة عن الأمر الذي دعاه
__________________
(١) قوله : ما لم يروا بنو إسرائيل. هذا التعبير ماش على لغة أكلوني البراغيث ، وهي إلحاق الفعل علامة تدل على تثنية الفاعل أو جمعه.
(٢) مجاز القرآن ٢ / ٢٦.
(٣) المختصر : ٨٩ ، البحر المحيط ٦ / ٢٧٤.
(٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(٥) في ب : فأخذ. وهو تحريف.
(٦) في ب : ما. وهو تحريف.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١١٠.
(٨) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١١٠ ـ ١١١.
(٩) في ب : في كيفية اختصاص.
(١٠) في ب : العسل واللبن.
(١١) في الأصل : لمّا.
(١٢) في الأصل : عليه.
(١٣) في ب : وهنا.
(١٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٥) في الأصل : ويقتص.
(١٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.