ورابعها : قال الزمخشري : كان موسى ـ عليهالسلام (١) ـ رجلا حديدا مجبولا على الحدة ، والخشونة ، والتصلب في كل شيء ، شديد الغضب لله ولدينه فلم يتمالك حين رأى قومه يعبدون عجلا من دون الله بعد ما رأوا (٢) من الآيات العظام أن ألقى ألواح (٣) التوراة لما غلب عليه من الدهشة العظيمة غضبا لله وحميّة ، وعنّف بأخيه وخليفته على قومه ، فأقبل عليه إقبال العدو (٤)(٥).
قال ابن الخطيب (٦) : وهذا الجواب ساقط ، لأنه يقال : هب أنه كان شديد الغضب ، ولكن مع ذلك الغضب الشديد هل كان يبقى عاقلا مكلفا أم لا؟
فإن بقي (٧) عاقلا مكلفا فالأسئلة باقية بتمامها ، أكثر ما في الباب أنك ذكرت أنه يغضب شديدا (٨) وذلك من جملة المعاصي. فإن (٩) قلتم : إنه في ذلك الغضب (١٠) لم يبق عاقلا ولا مكلفا فهذا مما (١١) لا يرتضيه مسلم البتة ، فهذه أجوبة من لم يجوّز الصغائر ، أما من جوزها فالسؤال (١٢) ساقط (١٣).
وجواب آخر : وهو (١٤) أنّ موسى ـ عليهالسلام (١٥) ـ لمّا رجع إلى بني إسرائيل كان عالما بأنهم قد فتنوا ، وأن السامري قد أضلهم ، والدليل عليه قوله تعالى لموسى (١٦) («إنّا (قَدْ (١٧) فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ) وإذا كان كذلك فموسى ـ عليهالسلام (١٨) ـ إنما جاء وهو عالم بحالهم ، فإنكاره على هارون لعلمه بحالهم قبل مجيئه إليهم لا لما أثبتوه في سؤالهم.
وقوله : (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) يدل على أن تارك المأمور به عاص ، والعاصي مستحق للعقاب ، لقوله (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ (١٩) وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ)(٢٠)) (٢١) فمجموع الآيتين يدل على أن الأمر للوجوب (٢٢).
__________________
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢) في ب : ما أراد. وهو تحريف.
(٣) في النسختين : الألواح.
(٤) الكشاف ٢ / ٤٤٥.
(٥) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٧ ـ ١٠٨.
(٦) في ب : شديد. وهو تحريف.
(٧) في ب : فإن كان يبقى.
(٨) في ب : شديد. وهو تحريف.
(٩) في ب : وأن.
(١٠) الغضب : سقط من ب.
(١١) في ب : ما.
(١٢) السؤال : سقط من ب.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٨.
(١٤) في ب : وذلك.
(١٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٦) في ب : لموسى عليه الصلاة والسلام.
(١٧) ما بين القوسين في ب : ولقد وهو تحريف. ونص القرآن «فإنّا».
(١٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٩) في ب : ومن يعص الله ورسوله يدخله نارا من قوله تعالى : «وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ» [النساء : ١٤].
(٢٠) [الجن : ٣٢].
(٢١) ما بين القوسين سقط من ب.
(٢٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٨ ـ ١٠٩.