والجواب (١) عن الكل : أنّ حاصل هذه الوجوه تمسك بظواهر قابلة للتأويل ، ومعارضة ما يبعد عن التأويل بما يتسارع إليه التأويل غير جائز. وإذا ثبتت هذه المقدمة ففي الجواب وجوه :
أحدها (٢) : أنّا وإن اختلفنا في جواز عصمة الأنبياء لكن اتفقنا على جواز ترك الأولى عليهم. وإذا كان كذلك فالفعل الذي يفعله أحدهما ويمنع منه الآخر ، أعني : موسى وهارون ـ عليهماالسلام (٣) ـ لعله كان أحدهما أولى ، والآخر كان ترك الأولى ، فلذلك فعله أحدهما وتركه الآخر. فإن قيل : هذا التأويل غير جائز ، لأن كل واحد منهما كان جازما (٤) فيما يأتي به فعلا كان أو تركا ، وفعل المندوب وتركه لا يجزمونه (٥) قلنا (٦) : تقييد المطلق بالدليل غير ممتنع ، فيحمل (٧) الجزم في الفعل والترك على أن المراد افعل ذلك أو اتركه إن كنت تريد الأصلح ، وقد يترك ذلك الشرط إذا كان تواطؤهما على رعايته معلوما متقررا (٨).
وثانيها (٩) : أن موسى ـ عليهالسلام (١٠) ـ أقبل وهو غضبان على قومه فأخذ برأس أخيه وجرّه إليه كما يفعل الإنسان بنفسه مثل ذلك عند الغضب ، فإن الغضبان المتفكر قد يعض على شفتيه وأصابعه ويفتل لحيته ، فأجرى موسى أخاه هارون مجرى نفسه ، لأنه كان (١١) أخاه وشريكه ، فصنع به ما يصنع الرجل بنفسه في حال الفكر والغضب ، وأما قوله : (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) فلا يمتنع أن يكون هارون ـ عليهالسلام (١٢) ـ خاف من أن يتوهم بنو إسرائيل أنه منكر عليه ، فبين أنه معاون له ، ثم أخذ (١٣) في شرح القصة فقال : (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ).
وثالثها : أنّ بني إسرائيل كانوا على نهاية سوء الظن بموسى ، حتى إن هارون غاب عنهم غيبة فقالوا لموسى : أنت قتلته ، فلما وعد الله موسى ، وكتب له في الألواح من كل شيء ، ثم رجع فرأى من قومه ما رأى ، أخذ (١٤) برأس أخيه ليدنيه فيتفحص عن كيفية الواقعة فخاف هارون أن يسبق إلى قلوبهم ما لا أصل له ، فقال إشفاقا (١٥) على موسى : (لا تَأْخُذْ (١٦) بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) ، لئلا يظن القوم ما لا يليق بك(١٧).
__________________
(١) في ب : فالجواب.
(٢) في ب : الأول.
(٣) في ب : عليهما الصلاة والسلام.
(٤) في ب : جارنا وهو تصحيف.
(٥) في ب : لا يخرجونه.
(٦) في ب : فالجواب.
(٧) في ب : فيحتمل. وهو تحريف.
(٨) في ب : مقررا.
(٩) في ب : والجواب عن الثاني.
(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١١) كان : سقط من الأصل.
(١٢) عليهالسلام : سقط من ب.
(١٣) أخذ : سقط من ب.
(١٤) في ب : وأخذ.
(١٥) في ب : أسفا. وهو تحريف.
(١٦) في ب : لا نأخذ. وهو تحريف.
(١٧) في ب : فيرمونك بقتلي كما رموك قبل ذلك.