الثاني : أنّ موسى ـ عليهالسلام (١) ـ لما هدده بالعذاب (٢) في قوله : (أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) قال فرعون : (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) فإنها كذبت ولم يعذبوا؟
الثالث : وهو الأظهر ، أنّ فرعون لما قال : (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى)(٣) فذكر موسى ـ عليهالسلام ـ دليلا ظاهرا على صحة دعواه فقال : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) خاف فرعون أن يزيد في تلك الحجة ، فيظهر للناس صدقه ، وفساد طريق (٤) فرعون ، فأراد أن يصرفه عن ذلك الكلام ، ويشغله بالحكايات فقال : (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) فلم يلتفت موسى ـ عليهالسلام (٥) ـ إلى ذلك الحديث وقال : (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ) ولا يتعلق غرضي بأحوالهم ، ولا أشتغل بها ، ثم عاد إلى تتميم (٦) كلامه الأول ، وإبراز الدلائل الظاهرة (٧) على الوحدانية فقال (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) ، وهذا الوجه هو المعتمد في صحة النظم (٨).
فإن قيل : العلم الذي عند الرب ، كيف يكون في الكتاب؟ وذلك أن علم الله صفة قائمة به ، فكون صفة الشيء حاصلة في كتاب (٩) غير معقول ، فذكروا في الجواب وجهين (١٠) :
الأول : معناه : أنه تعالى (١١) أثبت تلك (١٢) الأحكام في كتاب عنده ليكون ما كتبه فيه ظاهرا للملائكة ، فيكون ذلك زيادة لهم في الاستدلال على أنه تعالى عالم بكل المعلومات ينزه عن السهو والغفلة ، ولقائل أن يقول : قوله : (فِي كِتابٍ) يوهم احتياجه سبحانه في العلم إلى ذلك الكتاب ، وهذا وإن كان غير واجب لا محالة ولكنه لا أقل من أن يوهمه في أول الأمر لا سيما للكافر ، فكيف يحسن ذكره مع معاند مثل فرعون في وقت الدعوة؟
الوجه الثاني : أن يفسّر ذلك بأن بقاء تلك المعلومات في علمه سبحانه كبقاء المكتوب في الكتاب ، فيكون (١٣) الغرض من هذا الكلام تأكيد القول بأن أسرارها معلومة لله تعالى بحيث لا يزول منها شيء (١٤) عن علمه ، ويؤكد هذا التفسير قوله بعد ذلك : (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى)(١٥).
__________________
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢) في ب : في العذاب. وهو تحريف.
(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٤) طريق : سقط من ب.
(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٦) تتميم : سقط من ب.
(٧) في ب : وإيراد الدلائل الباهرة. وهو تحريف.
(٨) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٦ ـ ٦٧ بتصرف يسير.
(٩) في ب : فيكون صفة الشيء في كتاب. وهو تحريف.
(١٠) في ب : فالجواب من وجهين.
(١١) في ب : الأول : أنه.
(١٢) في ب : ذلك. وهو تحريف.
(١٣) في ب : فيبقى.
(١٤) في ب : شيئا. وهو تحريف.
(١٥) الفخر الرازي ٢٢ / ٦٧.