الأقرب وعلى الأبعد ، كان (١) عوده على (٢) الأقرب راجحا (٣) ، وقد (٤) نص النحويون على هذا ، فعوده على التابوت في قوله : (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ)(٥) راجح ، والجواب (٦) : أن أحدهما إذا كان محدّثا عنه (٧) والآخر فضلة كان عوده على المحدّث عنه أرجح ، ولا يلتفت إلى القرب ولهذا رددنا (٨) على (٩) أبي (١٠) محمد بن حزم (١١) في دعواه أن الضمير في قوله تعالى : (فَإِنَّهُ (١٢) رِجْسٌ)(١٣) عائد على (خنزير) لا على (لحم) ، لكونه (١٤) أقرب مذكور ، فيحرم بذلك شحمه ، وغضروفه (١٥) وعظمه وجلده ، فإن المحدّث عنه هو (١٦) لحم خنزير (١٧) لا (١٨) خنزير (١٩). وقد تقدمت هذه المسألة في الأنعام (٢٠).
قوله : (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ) هذا أمر معناه الخبر ، ولكونه أمرا لفظا جزم جوابه في قوله «يأخذه» ، وإنما خرج بصيغة الأمر مبالغة إذ الأمر أقطع الأفعال وآكدها ، قال الزمخشري : لما كانت مشيئة الله وإرادته أن يجرى ماء اليمّ ، ويلقي بذلك التابوت إلى الساحل سلك في ذلك سبيل المجاز ، وجعل اليمّ كأنّه ذو تمييز أمر بذلك ليطيع الأمر ، ويمتثل رسمه فقيل : (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ)(٢١). و«بالسّاحل» يحتمل أن يتعلق بمحذوف على أن الباء للحال. أي : ملتبسا بالسّاحل. وأن يتعلق بنفس الفعل على أن الباء ظرفية بمعنى
__________________
(١) في ب : وكان.
(٢) في ب : إلى.
(٣) في ب : راجعا إليه مرجحا فإن قيل. وهو تحريف.
(٤) في ب : قد.
(٥) في ب : «الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ».
(٦) في ب : فالجواب.
(٧) عنه : سقط من ب.
(٨) في ب : وعلى هذا أردنا. وهو تحريف.
(٩) في ب : إلى. وهو تحريف.
(١٠) أبي : سقط من ب.
(١١) هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري ، أبو محمد ، عالم الأندلس في عصره ، وأحد أئمة الإسلام ، من مصنفاته الفصل في الملل والأهواء والنّحل ، المحلّى في الفقه ، جمهرة الأنساب ، الناسخ والمنسوخ ، وغير ذلك ، مات سنة ٤٥٦ ه. الأعلام ٥ / ٥٩.
(١٢) في ب : إنه.
(١٣) من قوله تعالى : «قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» [الأنعام : ١٤٥].
(١٤) في ب : لأنه.
(١٥) في ب : وغضروفه.
(١٦) هو : سقط من الأصل.
(١٧) في ب : الخنزير.
(١٨) في ب : ولا.
(١٩) البحر المحيط ٦ / ٢٤١.
(٢٠) انظر اللباب ٣ / ٥٣٨ ـ ٥٣٩.
(٢١) انظر الكشاف ٢ / ٤٣٣ ، وقال الفراء : (ثم قال : «فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ» هو جزاء أخرج مخرج الأمر كأن البحر أمر. وهو مثل قوله : «اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ» [العنكبوت : ١٢] المعنى والله أعلم : اتبعوا سبيلنا نحمل عنكم خطاياكم. وكذلك وعدها الله : ألقيه في البحر يلقيه اليمّ بالساحل). معاني القرآن : ٢ / ١٧٩.