الثالث : أن في مناظرة آدم ـ عليهالسلام (١) ـ مع الملائكة ما ظهرت الفضيلة إلا بالنطق حيث قال : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٢)(٣).
قوله : (مِنْ لِسانِي) يجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة ل «عقدة» أي : من عقد لساني ، ولم يذكر الزمخشري غيره (٤). ويجوز أن يتعلق بنفس «احلل» (٥) ، والأول أولى. قوله : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً) يجوز أن يكون مفعولا ثانيا مقدّما و«وزيرا» هو المفعول الأول (٦) ، و (مِنْ أَهْلِي) على هذا يجوز أن يكون صفة ل «وزيرا» ، ويجوز أن يكون متعلقا بالجعل (٧) ، و«هارون» بدل (٨) من «وزيرا» وجوّز أبو البقاء أن يكون «هارون» عطف بيان ل «وزيرا» (٩). ولم يذكر الزمخشري غيره (١٠). ولما حكى أبو حيان هذا لم يعقبه بنكير ، وهو عجب منه فإنّ عطف البيان يشترط فيه التوافق تعريفا وتنكيرا (١١) ، وقد عرفت أن وزيرا نكرة ، وهارون معرفة.
والزمخشري قد تقدّم له مثل ذلك في قوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ)(١٢) ، وتقدّم الكلام معه هناك ، وهو عائد هنا (١٣).
ويجوز أن يكون «هارون» منصوبا بفعل محذوف كأنه قال : أخصّ من بينهم هارون
__________________
(١) عليهالسلام : سقط من ب.
(٢) [البقرة : ٣٣].
(٣) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٤٦. بتصرف.
(٤) الكشاف ٢ / ٤٣٢.
(٥) ونسبه أبو حيان إلى الحوفي البحر المحيط ٦ / ٣٣٩ ، وجوز أبو البقاء الوجهين التبيان ٢ / ٨٨٩.
(٦) في ب : الأولى.
(٧) في ب : قوله.
(٨) في ب : بدلا.
(٩) التبيان ٢ / ٨٩٠.
(١٠) الكشاف ٢ / ٤٣٢.
(١١) وذلك لأن عطف البيان كالنعت يوافق متبوعه في الإعراب ، والإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، والتعريف والتنكير. انظر شرح التصريح ٢ / ١٣١.
(١٢) [آل عمران : ٩٧].
وقول الزمخشري إن (مَقامُ إِبْراهِيمَ) عطف بيان لقوله : (آياتٌ بَيِّناتٌ) مخالف للبصرين والكوفيين ، لأنهم أجمعوا على أن النكرة لا تبين بالمعرفة ، وجمع المؤنث لا يبين بالمفرد المذكر ، ولا يجوز أن يكون بدلا ، لأنهم نصوا على أن البدل منه إذا كان متعددا وكان البدل غير واف بالعدة تعين القطع وإنما التقدير منها مقام إبراهيم أو بعضها مقام إبراهيم فهو مبتدأ ، أو خبر مبتدأ.
وقد ذكر الزمخشري توجيها لصحة كون (مَقامُ إِبْراهِيمَ) عطف بيان لآيات بينات فقال : (فإن قلت : كيف صح بيان الجماعة بالواحد قلت : فيه وجهان أحدهما : أن يجعل وحده بمنزلة آيات كثيرة لظهور شأنه ، وقوة دلالته على قدرة الله ، ونبوة إبراهيم ... والثاني اشتماله على آيات ، لأن أثر القدم في الصخرة الصماء آية ، وغوصه فيها إلى الكعبين آية ، وإلانة بعض الصخر دون بعض آية ...) الكشاف ١ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ، شرح التصريح ٢ / ١٣١ ـ ١٣٢.
(١٣) انظر اللباب ٢ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦.