الإتيان بالقبس ووجود الهدى مترقبين متوقعين بنى (١) الأمر فيهما على الرجاء والطمع ، فقال : «لعلّي» ولم يقطع فيقول : إنّي آتيكم ، لئلا يعد ما لم يتيقن الوفاء به ، والنكتة فيه أن قوما قالوا : كذب إبراهيم للمصلحة وهو (٢) محال ، لأن موسى عليهالسلام (٣) قبل نبوته احترز فلم يقل : إنّي آتيكم ، بل قال (لَعَلِّي آتِيكُمْ). والقبس : النار المقتبسة في رأس عود أو فتيلة أو غيرهما. (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) أي ما يهتدى به وهو اسم مصدر (٤) ، فكأنه قال : أجد على النار ما أهتدي به من دليل أو علامة.
ومعنى الاستعلاء على (٥) النار : (أنّ أهل النار) (٦) يستعلون المكان القريب منها ، ولأن المصطلين بها (٧) إذا أحاطوا بها كأنهم مشرفين عليها (٨) ، فكأنه (٩) قال : أجد على النار من يدلّني. (فَلَمَّا أَتاها) أي النار ، قال ابن عباس : رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها (١٠) أطافت بها نار بيضاء تتّقد (١١) كأضوأ ما يكون فوقف متعجبا من شدة ضوء تلك (١٢) النار وشدة خضرة تلك الشجرة ، فلا النار تغير خضرتها ، ولا كثرة ماء الشجرة تغير ضوء (١٣) النار (١٤).
قال ابن مسعود (١٥) : كانت الشجرة سمرة خضراء.
وقال قتادة ومقاتل والكلبي : كانت من العوسج (١٦).
وقال وهب : كانت من العلّيق (١٧). وقيل : كانت من العنّاب (١٨)(١٩).
قال أكثر المفسرين : إنّ الذي رآه موسى (٢٠) لم يكن نارا بل كان نور الربّ (تبارك
__________________
(١) في ب : بين. وهو تحريف.
(٢) في ب : وهي. وهو تحريف.
(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٤) اسم المصدر : هو ما ساوى المصدر في الدلالة على معناه وخالفه بخلوه لفظا وتقديرا دون عوض من بعض ما فعله ، مثل توضأ وضوءا وتكلم كلاما. انظر شرح الأشموني ٢ / ٢٨٧.
(٥) في الأصل : في. وهو تحريف.
(٦) ما بين القوسين سقط من ب.
(٧) في الأصل لها. وهو تحريف.
(٨) في ب : إذا أشرفوا بها كأنهم أحاطوا بها.
(٩) في ب : كأنه.
(١٠) في ب : من أعلاها إلى أسفلها.
(١١) في ب : متعد. وهو تحريف.
(١٢) ضوء سقط من ب.
(١٣) في ب : لون.
(١٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٥ ـ ١٦ بتصرف.
(١٥) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٤١٣.
(١٦) العوسج : شجر من شجر الشوك. وله ثمر أحمر مدوّر كأنه خرز العقيق. اللسان (عسج).
(١٧) العليق : شجر من شجر الشوك لا يعظم ، وإذا نشب فيه شيء لم يكد يتخلص من كثرة شوكه ، وشوكه حجز شداد. اللسان (علق).
(١٨) العنّاب : من الثمر معروف الواحدة عنابة ، وربما سمي ثمر الأراك عنّابا. اللسان (عنب).
(١٩) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٤١٣.
(٢٠) في ب : موسى عليه الصلاة والسلام.