وخصّ من يخشى بالتذكر ، لأنهم المنتفعون بها ، كقوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(١).
قوله : «تنزيلا» في نصبه أوجه :
أحدها : أن يكون بدلا من «تذكرة» إذا جعل حالا لا إذا (٢) كان مفعولا ، لأن الشيء لا يعلّل بنفسه ، لأنه يصير التقدير : ما أنزلنا القرآن إلّا للتّنزيل.
الثاني : أن ينتصب ب «نزل» مضمرا.
الثالث : أن ينتصب ب «أنزلنا» ، لأن معنى ما أنزلنا إلّا تذكرة : أنزلناه تذكرة.
الرابع : أن ينتصب على المدح والاختصاص.
الخامس : أن ينتصب ب «يخشى» مفعولا به ، أي أنزله للتذكرة لمن يخشى تنزيل الله ، وهو معنى حسن وإعراب بيّن (٣). قال أبو حيان : والأحسن ما قدّمناه أولا من أنّه منصوب ب «نزل» مضمرة (٤) ، وما ذكره الزمخشري من نصبه على غيره (٥) فمتكلف : أما الأول ففيه جعل «تذكرة» و«تنزيلا» (٦) حالين وهما مصدران ، وجعل المصدر حالا لا ينقاس (٧). وأيضا فمدلول «تذكرة» ليس مدلول «تنزيلا» ، ولا «تنزيلا» (٨) بعض «تذكرة» فإن كان بدلا فيكون بدل
__________________
(١) من قوله تعالى : «ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ» [البقرة : ٢].
(٢) في ب : لاذا.
(٣) ذكر الزمخشري هذه الأوجه في الكشاف ٢ / ٤٢٧.
(٤) فإنه قال : (وانتصب «تنزيلا» على أنه مصدر لفعل محذوف أي نزل تنزيلا ممن خلق) البحر المحيط ٦ / ٢٢٥. أي أنه مفعول مطلق مؤكد لعامله.
(٥) في ب : خبره. وهو تحريف.
(٦) في ب : تنزيل.
(٧) يكثر مجيء المصدر المنكر حالا مثل طلع زيد بغتة ، وجاء ركضا وقتلته صبرا ، وذلك على التأويل بالوصف ، فيؤول بغتة بوصف أي مباغتا ، وركضا أي راكضا ، وصبرا أي : مصبورا. قال ابن مالك :
ومصدر منكّر حالا يقع |
|
بكثرة كبغتة زيد طلع |
ومع كثرته فقال سيبويه والجمهور لا ينقاس مطلقا سواء أكان نوعا من العامل أم لا ، كما لا ينقاس المصدر الواقع نعتا أو خبرا بجامع الصفة المعنوية. وقاسه المبرد فيما كان نوعا من العامل فيه لأنه حينئذ يدل على الهيئة بنفسه ، فأجاز قياسا : جاء زيد سرعة ، لأن السرعة نوع من المجيء. ومنع : جاء ضحكا ، لأن الضحك ليس نوعا من المجيء. وقاسه الناظم في التسهيل وابنه في شرح النظم بعد (أمّا) بفتح الهمزة وتشديد الميم نحو : أمّا علما فعالم ، أي مهما يذكر شخص في حال علم فالمذكور عالم وأيضا : بعد خبر شبّه به مبتدؤه مثل : زيد زهير شعرا. والعامل فيها ما في زهير من معنى الفعل إذ معناه مجيد ، وصاحب الحال ضمير مستتر في زهير لما تقرر من أن الجامد المؤول بالمشتق يتحمل الضمير. وأيضا : إذا كان الخبر مقرونا ب (أل) الدالة على الكمال ، مثل : أنت الرجل علما. فعلما حال والعامل فيها ما في الرجل من معنى الفعل إذ معناه الكامل. وذهب الكوفيون إلى أن المصدر منصوب بفعل محذوف أي أنه مفعول مطلق. انظر شرح التصريح ١ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ، شرح الأشموني ٢ / ١٧٢ ، ١٧٤.
(٨) في ب : تنزيل.