الزمخشري : إنّا أنزلنا عليك القرآن لتتحمّل متاعب التبليغ ، ومقاومة (١) العتاة من أعداء الإسلام ومقابلتهم ، وغير ذلك من أنواع المشاق ، وتكاليف النبوة وما أنزلنا هذا المتعب (٢) الشاق إلّا ليكون تذكرة. وعلى هذا الوجه يجوز أن تكون تذكرة حالا ومفعولا له (٣). انتهى.
فإن قيل : من أين أخذت (٤) أنه لمّا جعله حالا ومفعولا له أن العامل فيه «لتشقى» ، وما (٥) المانع أن يريد بالعامل فيه فعل الإنزال؟
فالجواب (٦) : أن هذا الوجه قد تقدّم له (٧) في قوله : وكل واحد من «لتشقى» و«تذكرة» ، علة للفعل ، وأيضا فإن تفسيره للمعنى المذكور منصبّ (٨) على تسلط «لتشقى» على «تذكرة» إلا أنّ أبا البقاء لما لم يظهر له هذا المعنى الذي ظهر للزمخشري منع من عمل «لتشقى» في «تذكرة» ، فقال : ولا يصح أن يعمل فيها «لتشقى» لفساد المعنى (٩) وجوابه : ما تقدّم (١٠).
(ولا غرو في تسمية التعب شقاء) (١١) ، قال الزمخشري (١٢) : والشقاء يجيء في معنى التعب ، ومنه المثل : أتعب من رائض مهر ، وأشقى من رائض مهر (١٣).
و (لِمَنْ يَخْشى) متصل ب «تذكرة» وزيدت اللام في المفعول ، تقوية للعامل لكونه فرعا(١٤). ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف على أنه صفة ل «تذكرة».
__________________
(١) في الأصل : مقاولة.
(٢) في ب : التعب.
(٣) الكشاف : ٢ / ٤٢٧.
(٤) في ب : يحدث. وهو تحريف.
(٥) في ب : وأما. وهو تحريف.
(٦) في ب : الجواب.
(٧) كرر في ب بعد (قد تقدم له) قوله : إذا جعله حالا ومفعولا له أن العامل فيه لتشقى ، وأما المانع أن يريد بالعامل فيه فعل الإنزال.
(٨) في ب : ومنتصب.
(٩) التبيان ٢ / ٨٨٤. وكرر في ب بعد (لفساد المعنى) قوله : الذي ظهر للزمخشري منع من عمل «لتشقى» في «تذكرة».
(١٠) في ب : وجوابه ما تقدم قال الزمخشري : منع من عمل لتشقى في تذكرة وجوابه ما تقدم. وانظر كلام الزمخشري في الوجه الأول ، وهذا الوجه أيضا.
(١١) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٢) الكشاف ٢ / ٤٢٦.
(١٣) هذا كقولهم : (لا يعدم شقي مهرا) يعني أن معالجة المهارة شقاوة لما فيها من تعب انظر مجمع الأمثال للميداني ١ / ٢٦٠.
(١٤) وهذه اللام تسمى لام التقوية ، وهي المزيدة لتقوية عامل ضعف إما بتأخير نحو : «هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ» [الأعراف : ١٥٤] ونحو : «إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ» [يوسف : ٤٣] ، أو بكونه فرعا في العمل ، كما في الآية «إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى» وذلك لأن «تذكرة» مصدر والمصدر فرع في العمل. ونحو «مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ» [البقرة : ٩١] ونحو «فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ» [هود : ١٠٧][البروج : ١٦] ونحو : ضربي لزيد حسن. وقد اجتمع التأخير والفرعية في قوله : «وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ» [الأنبياء : ٧٨] ، المغني ١ / ٢١٧.