ثم ختم السورة بموعظة بليغة فقال : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) ، لأنهم إذا تأملوا وعلموا أنه لا بد من زوال الدنيا ، وأنه لا بد فيها من الموت خافوا سوء العاقبة في الآخرة فكانوا إلى الحذر من المعاصي أقرب ، ثم أكد تعالى ذلك فقال (١) : (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ)(٢). قرأ الناس (٣) بضم التاء وكسر الحاء من أحسّ (٤).
وقرأ أبو حيوة ، وأبو جعفر (٥) ، وابن أبي عبلة (٦) «نحسّ» «بفتح التاء وضم الحاء (٧)» (٨) وقرأ بعضهم : «تحس» بالفتح والكسر ، من حسّه : أي شعر به ، ومنه الحواس الخمس (٩). و«منهم» (١٠) حال من «أحد» ، إذ هو في الأصل صفة له. و«من أحد» مفعول زيدت فيه «من. وقرأ حنظلة (١١) «تسمع» بضم التاء وفتح الميم مبنيا للمفعول (١٢). و«ركزا» مفعول على كلتا القراءتين ، إلا أنه مفعول ثان في القراءة «الشاذة» (١٣). والرّكز : الصوت الخفي دون نطق بحروف ولا فم (١٤) ، «ومنه ركز الرمح»(١٣) أي غيب طرفه في الأرض وأخفاه ، ومنه الرّكاز ، وهو المال المدفون لخفائه واستتاره (١٥) ، وأنشدوأ :
٣٦٣٦ ـ فتوجّست ركز الأنيس فراعها |
|
عن ظهر غيب ، والأنيس سقامها (١٦) |
__________________
(١) في ب : بقوله.
(٢) الفخر الرازي ٢١ / ٢٥٧.
(٣) في ب : العامة.
(٤) البحر المحيط ٦ / ٢٢١.
(٥) هو يزيد بن القعقاع أبو جعفر المخزومي ، المدني ، أحد القراء العشرة ، تابعي مشهور ، عرض القراءة على مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ، وابن عباس ، وأبي هريرة. وروى عنهم ، وروى القراءة عنه نافع بن أبي نعيم ، وغيره ، مات سنة ١٣٠ ه. طبقات القراء ٢ / ٣٨٢ ـ ٣٨٤.
(٦) تقدم.
(٧) المختصر (٨٦) ، البحر المحيط ٦ / ٢٢١.
(٨) ما بين القوسين في ب : بضم التاء وفتح الحاء. وهو تحريف.
(٩) الكشاف ٢ / ٤٢٦ ، البحر المحيط ٦ / ٢٢١.
(١٠) في ب : قوله : أحد. وهو تحريف.
(١١) في ب : حنظل. وهو حنظلة بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية المكي ، أخذ عن طاوس ، وسالم ، والقاسم ، ومجاهد ، وأخذ عنه الثوري ، ويحيى القطان ووكيع ، مات سنة ١٥١ ه.
خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ١ / ٢٦٣.
(١٢) المختصر (٨٦) ، الكشاف ٢ / ٤٢٦ ، البحر المحيط ٦ / ٢٢١.
(١٣) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٤) لعله على حذف مضاف أي : ولا تحريك فم.
(١٣) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٥) اللسان (ركز).
(١٦) البيت من بحر الكامل من معلقة لبيد وهو في ديوانه (١٧٣) ، ومجاز القرآن ٢ / ١٤ ، الطبري ١٦ / ١٠٢ ، تفسير ابن عطية ٩ / ٥٤٧ ، القرطبي ١١ / ١٦٢ ، البحر المحيط ٦ / ١٩٨.
التوجس : التسمع إلى الصوت الخفي ، الركز : الصوت الخفي ، وهو محل الشاهد. عن ظهر غيب : من وراء حجاب. سقامها : هلاكها.