لما أقام الحجة (١) على مشركي قريش المنكرين للبعث ، وأتبعه بالوعيد حكى عنهم أنهم عارضوا حجة الله بكلام ، فقالوا : لو كنتم أنتم (٢) على الحق وكنا على الباطل لكان حالكم في الدنيا أحسن من حالنا ، لأنّ الحكيم لا يليق به أن يوقع أولياءه المخلصين (٣) في الذل وأعداءه المعرضين عن خدمته في العز والراحة ، وإنما (٤) كان الأمر بالعكس ، فإنّ الكفار في النعمة والراحة (٥) والاستعلاء ، والمؤمنين كانوا في ذلك الوقت في الخوف والقلة ، فدل على أنّ الحق (٦) ليس مع المؤمنين ، هذا حاصل شبهتهم.
وقوله : (آياتُنا بَيِّناتٍ) أي : واضحات ، وقيل : مرتلات ، وقيل : ظاهرات الإعجاز(٧).
(قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٨) يعنى النضر بن الحارث وذويه من قريش (لِلَّذِينَ آمَنُوا) يعني فقراء أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكانت فيهم قشافة (٩) ، وفي عيشهم خشونة ، وفي ثيابهم رثاثة (١٠) ، وكان المشركون يرجلون شعورهم ، ويلبسون خير ثيابهم ، فقالوا للمؤمنين (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً)(١١) منزلا ومسكنا (١٢) ، وهو موضع الإقامة ، (وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) أي مجلسا ، ومثله (١٣) النادي (١٤).
قوله : «مقاما». قرأ ابن كثير (١٥) «مقاما» بالضم.
ورويت عن أبي عمرو (١٦) ، وهي قراءة ابن محيصن وهو موضع الإقامة والمنزل.
__________________
(١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.
(٢) أنتم : سقط من ب.
(٣) في ب : مخلصين.
(٤) في ب : إنما.
(٥) في ب : في الراحة والنعمة.
(٦) في ب : الخوف. وهو تحريف.
(٧) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢١ / ٣٤٦ ـ ٢٤٧.
(٨) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٣٩١.
(٩) القشف : قذر الجلد. قشف يقشف قشفا وتقشّف : لم يتعهد الغسل والنظافة ، فهو قشف ورجل متقشّف : تارك النظافة والتّرفّه. اللسان (قشف).
(١٠) الرّثّ والرّثّة والرّثيث : الخلق الخسيس البالي من كل شيء ، تقول : ثوب رثّ وحبل رثّ ورجل رثّ الهيئة في لبسه ، وأكثر ما يستعمل فيما يلبس ، والجمع رثاث. اللسان (رثث).
(١١) خير : سقط من ب.
(١٢) في ب : ومسكنا ومنزلا.
(١٣) في ب : ومنه.
(١٤) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٣٩١.
(١٥) تقدم.
(١٦) هو أبو عمرو بن العلاء المازني النحويّ ، المقرىء ، أحد القراء السبعة ، كان إمام أهل البصرة في القراءة ، والنحو ، واللغة ، أخذ عن جماعة من التابعين ، وقرأ القرآن على سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وروى عن أنس بن مالك ، وأبي صالح السّمّان ، وعطاء ، وطائفة ، مات سنة ١٥٤ ه. بغية الوعاة ٢ / ٢٣١ ـ ٢٣٢.