الاختصار ما قدروا عليه ، إذ لا شك أنّ الإعادة ثانيا أهون من الإيجاد أولا ، ونظيره قوله تعالى (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ)(١) ، وقوله (٢) : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)(٣) واحتجوا بهذه الآية على أنّ المعدوم ليس بشيء ، وهو ضعيف ؛ لأن الإنسان عبارة عن مجموع جواهر متألفة قامت بها أعراض ، وهذا المجموع ما كان شيئا ، ولكن لم قلت : إن كل واحد من تلك الأجزاء ما كان شيئا قبل (٤) كونه موجودا فإن قيل : كيف أمر الله ـ تعالى ـ الإنسان بالتذكر مع أنّ التذكر هو العلم بما علمه من قبل ثم تخللهما سهو؟.
فالجواب : المراد أو لا (٥) يتفكر فيعلم خصوصا إذا قرىء (٦) «أو لا يذّكّر» مشددا (٧) ، أما إذا قرىء (٨) «أو لا يذكر» مخففا (٩) ، فالمراد أو لا يعلم ذلك من حال نفسه لأنّ كل أحد يعلم أنه لم يكن حيّا في الدنيا ثم صار حيّا (١٠).
ثم إنه تعالى لما قرر المطلوب بالدليل (١١) أردفه بالتشديد (١٢) فقال (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ) أي : لنجمعنهم في المعاد ، يعنى المشركين المنكرين للبعث مع الشياطين ، وذلك أنه يحشر كل كافر مع شيطان في سلسلة.
وفائدة القسم أمران : أحدهما (١٣) : أنّ العادة جارية بتأكيد الخبر باليمين.
والثاني : أنّ في إقسام الله ـ تعالى ـ باسمه (١٤) مضافا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم رفعا (١٥) منه لشأنه كما رفع من شأن السماء والأرض في قوله : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌ)(١٦). والواو في «والشّياطين» يجوز أن تكون للعطف (١٧) ، وبمعنى «مع» وهي بمعنى «مع» (١٨) أوقع (١٩). والمعنى ، أنهم يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغروهم. (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ) أي : نحضرهم على أذل صورة لقوله: «جثيّا» ، لأنّ البارك على ركبتيه صورته صورة الذليل ، أو صورة العاجز (٢٠).
__________________
(١) [يس : ٧٩].
(٢) في ب : ومثله.
(٣) [الروم : ٢٧].
(٤) في ب : لم يكن.
(٥) في ب : منتقى. وهو تحريف.
(٦) في الأصل : أن لا. وهو تحريف.
(٧) في الأصل : قرأ.
(٨) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحمزة والكسائي ، وسبق تخريجها.
(٩) وهي قراءة نافع وعاصم وابن عامر.
(١٠) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤٢.
(١١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣.
(١٢) في ب : بالدليل بالتهديد.
(١٣) في ب : الأول.
(١٤) في الأصل : بنفسه.
(١٥) في الأصل : رفع.
(١٦) [الذاريات : ٢٣].
(١٧) في ب : للتعظيم. وهو تحريف.
(١٨) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٩) على العطف تكون «الشياطين» معطوفة على الضمير في «لنحشرنّهم» ، وعلى كونها بمعنى (مع) يكون ما بعد الواو منصوبا على المفعول معه ، والمعنى : لنحشرنهم في صحبة الشياطين. الكشاف ٢ / ٤١٨.
(٢٠) في ب : لأن البارك على ركبته صورة الذليل أو صورة الفاجر.