جبير (١) ، وقتادة ، ومقاتل : (ما بَيْنَ أَيْدِينا) من أمر الآخرة ، والثواب ، والعقاب ، (وَما خَلْفَنا) من أمر الدنيا ، (وَما بَيْنَ ذلِكَ) ما يكون من هذا الوقت إلى قيام الساعة. وقيل : (ما بَيْنَ أَيْدِينا) من أمر الآخرة ، (وَما خَلْفَنا) من أمر الدنيا ، (وَما بَيْنَ ذلِكَ) أي : بين النفختين ، وبينهما أربعون سنة.
وقيل : (ما بَيْنَ أَيْدِينا) ما بقي من أمر الدنيا ، (وَما خَلْفَنا) ما مضى منها ، (وَما بَيْنَ ذلِكَ) هذه حياتنا. وقيل : (ما بَيْنَ أَيْدِينا) بعد أن نموت ، (وَما خَلْفَنا) قبل أن نخلق ، (وَما بَيْنَ ذلِكَ) مدة الحياة. وقيل : (ما بَيْنَ أَيْدِينا) الأرض إذا أردنا النزول إليها ، (وَما خَلْفَنا) السماء وما أنزل منها ، (وَما بَيْنَ ذلِكَ) الهواء ، يريد أن ذلك كله لله ـ عزوجل ـ فلا يقدر على شيء إلّا بأمره. ثم قال : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) أي : ناسيا ، أي : ما نسيك ربك بمعنى تركك ، والناسي التارك (٢) ، كقوله: (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)(٣) أي : ما كان امتناع النزول لترك الله لك وتوديعه إياك (٤).
قوله : (رَبُّ السَّماواتِ)(٥) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه بدل من «ربّك» (٦).
الثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر ، أي : هو ربّ (٧).
الثالث : كونه مبتدأ والخبر الجملة الأمرية بعده. وهذا ماش على رأي الأخفش ، إذ (٨) يجوّز زيادة الفاء في خبر المبتدأ مطلقا (٩).
__________________
(١) تقدم.
(٢) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٣٨٥ ـ ٣٨٦.
(٣) [الضحى : ٣].
(٤) الفخر الرازي ٢١ / ٢٤٠.
(٥) في ب : «رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ».
(٦) في قوله تعالى : «وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا» من الآية السابقة. الكشاف ٢ / ٤١٧ ، ٢ / ١٢٩ ، البحر المحيط ٦ / ٢٠٤.
(٧) الكشاف ٢ / ٤١٧ ، البيان ٢ / ١٢٩ ، التبيان ٢ / ٨٧٧ ، البحر المحيط ٦ / ٢٠٤.
(٨) إذ : سقط من ب.
(٩) خالف الأخفش كثيرا من النحويين حيث جوّز زيادة الفاء في خبر المبتدأ مطلقا ، نحو : زيد فوجد وقول الشاعر :
وقائلة : خولان فانكح فتاتهم |
|
وأكرومة الحيّين خلو كما هيا |
والفراء ، والأعلم ، وجماعة قيدوا الجواز بكون الخبر أمرا ، أو نهيا ، فالأمر بالبيت السابق والنهي نحو : محمد فلا تضربه.
والأكثرون يجيزون دخول الفاء في خبر المبتدأ إذا كان المبتدأ متضمنا معنى الشرط ، بأن كان اسما موصولا بشرط أن يكون عاما ، وأن تكون صلته فعلا أو ظرفا نحو : الذي يأتيني أو في الدار فله درهم واشترط هذا ، لأنّه إذا كان كذلك كان فيه معنى الشرط ، فتدخل فيه الفاء كما تدخل في الشرط ـ