إلا أن القرينة المخصصة قائمة ، فإن الدليل لا بد وأن يكون مشاهدا محسوسا ليكون أقرب إلى المقصود ، وبهذا الطريق تخرج عنه الملائكة والجن وآدم وقصة عيسى لأن (١) الكفار لم يروا شيئا من ذلك (٢).
فصل
قال بعض المفسرين (٣) : المراد بقوله : (كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) الحيوان فقط. وقال آخرون : بل يدخل(٤) فيه النبات ، لأنه من الماء صار ناميا ، وصار فيه الرطوبة والخضرة والنور والثمر. وهذا القول أليق بالمقصود ، لأن المعنى كأنه قال : ففتقنا السماء لإنزال المطر وجعلنا منه كل شيء في الأرض من النبات وغيره حيا. فإن قيل : النبات لا يسمى حيا. فالجواب : لا نسلم ، ويدل عليه قوله تعالى (كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها)(٥). ثم قال (أَفَلا يُؤْمِنُونَ) والمعنى أفلا يؤمنون بأن يتدبروا (٦) هذه الأدلة (٧) فيعملوا بها ويتركوا طريقة الشرك (٨).
قوله : (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) الرواسي الجبال ، والراسي : هو الداخل في الأرض (٩). قوله: (أَنْ تَمِيدَ) مفعول من أجله ، أي : أن لا تميد (١٠) ، فحذفت «لا» لفهم المعنى كما زيدت في (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ)(١١) ، أو كراهة أن تميد (١٢) وقدره أبو البقاء فقال : مخافة أن تميد (١٣) وفيه نظر ، لأنا إن جعلنا المخافة مسندة إلى (١٤) المخاطبين اختل شرط من شروط النصب في المفعول وهو اتحاد الفاعل (١٥). وإن جعلناها مسندة لفاعل الجعل استحال ذلك ، لأنه تعالى لا يسند إليه الخوف. وقد يقال يختار أن يسند المخافة إلى المخاطبين ، وقولكم يختل شرط من شروط النصب جوابه : أنه ليس بمنصوب بل مجرور بحرف الجر (١٦) المقدر (١٧) ، وحذف حرف الجر مطرد مع أنّ وأن بشرطه (١٨).
__________________
(١) في الأصل : أن. وهو تحريف.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٦٤.
(٣) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٦٤.
(٤) في الأصل : يدخلون.
(٥) [الروم : ٥٠].
(٦) في الأصل : يتدبر.
(٧) في ب : الآية.
(٨) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٦٤ ، وفي ب : الشراك. وهو تحريف.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٦٤.
(١٠) قاله الكوفيون. الكشاف ٣ / ١٠ ، القرطبي ١١ / ٢٨٥.
(١١) «الكتاب» : سقط من ب. [الحديد : ٢٩].
(١٢) قاله البصريون. معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٩٠ ، القرطبي ١١ / ٢٨٥.
(١٣) التبيان ٢ / ٩١٧.
(١٤) إلى : سقط من ب.
(١٥) لأن من شروط النصب في المفعول له اتحاده بالمعلل به فاعلا بأن يكون فاعل الفعل وفاعل المصدر واحد. انظر شرح التصريح ١ / ٣٣٥.
(١٦) في النسختين : العلة.
(١٧) كما قدره الكوفيون : لئلا. الكشاف ٣ / ١٠.
(١٨) شرط حذف الجار مع (أنّ ، وأن) أمن اللبس ، نحو قوله تعالى : «أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ» ـ