٣٥٨٢ ب ـ ........... |
|
إذا رأى غير شيء ظنّه رجلا (١) |
وقالوا : عجبت من لا شيء ، ويجوز أن يكون قال ذلك ؛ لأنّ المعدوم ليس بشيء.
فصل
قيل : إطلاق لفظ «الهيّن» في حق الله تعالى مجاز ؛ لأن ذلك إنما يجوز في حقّ من يجوز أن يصعب عليه شيء ، ولكن المراد ؛ أنه إذا أراد شيئا كان.
ووجه الاستدلال بقوله تعالى (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) فنقول : إنه لما خلقه من العدم الصّرف والنفي المحض ، كان قادرا على خلق الذوات والصفات والآثار ، وأما الآن ، فخلق الولد من الشيخ والشيخة لا يحتاج فيه إلا إلى تبديل الصفات ، والقادر على خلق الذوات والصفات والآثار معا أولى أن يكون قادرا على تبديل الصفات ، وإذا أوجده عن عدم ، فكذا يرزقه الولد بأن يعيد إليه وإلى صاحبته القوّة التي عنها يتولّد الماء ان اللذان من اجتماعهما يخلق الولد.
فصل
الجمهور على أنّ قوله : (قالَ : كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ) يقتضي أن القائل لذلك ملك مع الاعتراف بأن قوله (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ) قول الله تعالى ، وقوله (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) قول الله تعالى ، وهذا بعيد ، لأنّه إذا كان ما قبل هذا الكلام وما بعده قول الله تعالى ، فكيف يصحّ إدراج هذه الألفاظ فيما بين هذين القولين ، والأولى أن يقال : قائل هذا القول أيضا هو الله تعالى ؛ كما أن الملك العظيم ، إذا وعد عبده شيئا عظيما ، فيقول العبد : من أين يحصل لي هذا ، فيقول : إن سلطانك ضمن لك ذلك ؛ كأنه ينبه بذلك على أن كونه سلطانا ممّا يوجب عليه الوفاء بالوعد ، فكذا ههنا.
قوله : (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا).
أي : اجعل لي علامة ودلالة على حمل امرأتي.
فصل
قال بعض المفسّرين : طلب الآية لتحقيق البشارة ، وهذا بعيد ؛ لأن بقول الله تعالى قد تحقّقت البشارة ، فلا يكون إظهار الآية أقوى في ذلك من صريح القول ، وقال آخرون : البشارة بالولد وقعت مطلقة ، فلا يعرف وقتها بمجرّد البشارة ، فطلب الآية ليعرف بها وقت الوقوع ، وهذا هو الحق.
__________________
(١) عجز بيت للمتنبي وصدره :
وضاقت الأرض حتى كان هاربهم
ينظر : ديوانه (١ / ٦٠) ، وروح المعاني ١٦ / ٧٠ ، والكشاف ٢ / ٥٠٤ ، والدر المصون ٤ / ٤٩٤.