قال الزمخشري : التفات إلى الإنسان ، ويعضده قراءة ابن مسعود وعكرمة «وإن منهم» (١) أو خطاب للناس من غير التفات إلى المذكور (٢).
والحتم : القضاء ، والوجوب حتم ، أي : أوجبه حتما (٣) ، ثم يطلق الحتم على الأمر المحتوم كقوله تعالى : (هذا خَلْقُ اللهِ)(٤) ، وهذا درهم ضرب الأمير. و«على ربّك» متعلق ب «حتم» ، لأنّه في معنى اسم المفعول (٥) ولذلك وصفه ب «مقضيّا».
فصل
المعنى : وما منكم إلا واردها ، والورود هو موافاة المكان (٦). وقيل القسم فيه مضمر ، أي: والله ما منكم من أحد إلا واردها. واختلفوا في معنى الورود هنا (٧) فقال ابن عباس والأكثرون: الورود ههنا هو الدخول ، والكناية راجعة إلى النار ، وقالوا : يدخلها البر والفاجر ، ثم ينجي الله المتقين فيخرجهم منها ، ويدلّ على أنّ الورود هو الدخول قوله تعالى : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ)(٨).
روى ابن عيينة (٩) عن عمرو بن دينار (١٠) أنّ نافع بن الأزرق مارى ابن عباس في الورود فقال ابن عباس : هو الدخول. وقال نافع : ليس الورود الدخول ، فتلى ابن عباس (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ)(١١) أدخلها (١٢) هؤلاء أم لا؟ ثم قال : يا نافع أما والله أنا وأنت سنردها ، وأنا أرجو أن يخرجني الله ، وما أرى الله أن (١٣) يخرجك منها بتكذيبك (١٤).
ويدلّ عليه أيضا قوله تعالى (١٥)(ثُمَّ نُنَجِّي(١٦) الَّذِينَ اتَّقَوْا)(١٧) ، أي : ننجي من الواردين من اتقى ، ولا يجوز أن يقول (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) إلّا
__________________
(١) المختصر (٨٦) ، تفسير ابن عطية ٩ / ٥١١.
(٢) الكشاف ٢ / ٤١٩.
(٣) اللسان (حتم).
(٤) [لقمان : ١١].
(٥) لأن المصدر يستعمل بمعنى اسم الفاعل وبمعنى اسم المفعول نحو : ماء غور. أي : غائر. ورجل عدل ، أي : عادل ، وقالوا : درهم ضرب الأمير ، أي : مضروبه ، و«هذا خَلْقُ اللهِ» ، والإشارة إلى المخلوق. ابن يعيش ٦ / ٥٠ ، شرح الكافية ٢ / ١٩٨.
(٦) في ب : المورود.
(٧) هنا : سقط من ب.
(٨) [هود : ٩٨].
(٩) تقدم.
(١٠) هو عمرو بن دينار ، أبو محمد المكي مولى باذام عالم مكة ، وردت الرواية عنه في حروف القرآن ، روى القراءة عن ابن عباس ، وروى القراءة عنه يحيى بن صبيح ، مات سنة ١٢٦ ه. طبقات القراء ١ / ٦٠٠ ـ ٦٠١.
(١١) [الأنبياء : ٩٨].
(١٢) في ب : أدخل.
(١٣) أن : سقط من الأصل.
(١٤) انظر البغوي ٥ / ٣٨٨ ـ ٣٨٩.
(١٥) تعالى : سقط من ب.
(١٦) في ب : ينجي الله.
(١٧) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤٤ بتصرف.