يبطل بإقامة الدّلائل على أنّ الكواكب ليست أحياء ، ولا قادرة ، والدليل المذكور هنا لا يفيد ذلك.
فالجواب (١) : لا نزاع في أنّه لا يخفى على العاقل : أنّ الخشب المنحوت لا يصلح لخلق العالم ، وإنّما مذهبهم هذا على الوجه الثاني ، وإنّما أورد إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ هذه [الدلائل](٢) عليهم ؛ لأنّهم كانوا يعتقدون أنّ عبادتها تفيد نفعا ؛ إما على سبيل الخاصّيّة الحاصلة من الطّلّسمات ، أو على سبيل أن الكواكب تنفع ، وتضرّ ، فبيّن إبراهيم ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ أنه لا منفعة في طاعتها ، ولا مضرّة في الإعراض عنها ؛ فوجب أن تجتنب عبادتها.
قوله : (يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ) بالله ، والمعرفة (ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي) على ديني (أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا) مستقيما. (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) أي : لا تطعه فيما يزيّن لك من الكفر والشّرك ؛ لأنّهم ما كانوا يعبدون الشيطان ؛ فوجب حمله على الطّاعة (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا) أي : عاصيا ، و«كان» بمعنى الحال ، أي : هو كذلك.
فإن قيل : هذا القول يتوقّف على إثبات أمور :
أحدها : إثبات الصّانع.
وثانيها : إثبات الشيطان.
وثالثها : أن الشيطان عاص [لله](٣).
ورابعها : أنّه لما كان عاصيا ، لم تجز طاعته في شيء من الأشياء.
وخامسها : أن الاعتقاد الذي كان عليه آزر مستفاد من طاعة الشيطان ، ومن شأن الدّلالة التي تورد على الخصم : أن تكون مركبة من مقدّمات معلومة يسلّمها الخصم ، ولعلّ أبا إبراهيم كان منازعا في كلّ هذه المقدّمات (٤) ، وكيف ، والمحكيّ عنه : أنه ما كان يثبت إلها سوى نمروذ ؛ فكيف يسلّم وجود الرّحمن؟.
وإذا لم يسلّم وجوده ، فكيف يسلّم أنّ الشيطان عاص في الرحمن؟ وبتقدير تسليم ذلك ؛ فكيف يسلّم الخصم بمجرّد هذا الكلام أنّ مذهبه مقتبس من الشيطان ، بل لعلّه يقلب ذلك على خصمه.
فالجواب :
أنّ الحجّة المعوّل عليها في إبطال مذهب «آزر» هو قوله : (لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) وهذا الكلام يجري مجرى التّخويف والتّحذير الذي يحمله على النظر في تلك الدّلالة ، فسقط السّؤال.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١٩٢.
(٢) في أ : الدلالة.
(٣) في ب : في الله.
(٤) في أ : المقامات.