قوله : «وهن» العامّة على فتح الهاء ، وقرأ (١) الأعمش بكسرها ، وقرىء بضمّها ، وهذه لغات في هذه اللفظة ، ووحّد العظم لإرادة الجنس ؛ يعني : أنّ هذا الجنس الذي هو عمود البدن ، وأشدّ ما فيه ، وأصلبه ، قد أصابه الوهن ، ولو جمع ، لكان قصدا آخر : وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه ، ولكن كلّها ، قاله الزمخشريّ ، وقيل : أطلق المفرد ، والمراد به الجمع ؛ كقوله : [الطويل]
٣٥٧٧ ـ بها جيف الحسرى فأمّا عظامها |
|
فبيض وأمّا جلدها فصليب (٢) |
أي : جلودها ، ومثله : [الوافر]
٣٥٧٨ ـ كلوا في بعض بطنكم تعفّوا |
|
فإنّ زمانكم زمن خميص (٣) |
أي : بطونكم.
و«منّي» حال من «العظم» وفيه ردّ على من يقول : إنّ الألف واللام تكون عوضا من الضمير المضاف إليه ؛ لأنه قد جمع بينهما هنا ، وإن كان الأصل : وهن عظمي ، ومثله في الدّلالة على ذلك ما أنشد شاهدا على ما ذكرت : [الطويل]
٣٥٧٩ ـ رحيب قطاب الجيب منها رفيقة |
|
بجسّ النّدامى بضّة المتجرّد (٤) |
ومعنى (وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) : ضعف ، ورقّ العظم من الكبر.
فصل
قال قتادة (٥) : اشتكى سقوط الأضراس.
قوله : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) أي : ابيضّ شعر الرّأس شيبا.
وفي نصب «شيبا» ثلاثة أوجه :
أحدها ـ وهو المهشور ـ : أنه تمييز منقول من الفاعلية ؛ إذ الأصل : اشتعل شيب الرّأس ، قال الزمخشريّ : «شبّه الشّيب بشواظ النّار في بياضه ، وانتشاره في الشّعر ، وفشوّه فيه ، وأخذه منه كلّ مأخذ باشتعال النّار ، ثم أخرجه مخرج الاستعارة ، ثم أسند الاشتعال إلى مكان الشّعر ، ومنبته ، وهو الرّأس ، وأخرج الشّيب مميّزا ، ولم يضف الرّأس ؛ اكتفاء بعلم المخاطب : أنه رأس زكريّا ، فمن ثمّ ، فصحت هذه الجملة ، وشهد لها بالبلاغة» انتهى ، وهذا من استعارة محسوس لمحسوس ، ووجه الجمع : الانبساط والانتشار.
والثاني : أنه مصدر على غير الصّدر ، فإنّ (اشْتَعَلَ الرَّأْسُ) معناه «شاب».
__________________
(١) ينظر في قراءاتها : الشواذ ٨٣ ، البحر المحيط ٦ / ١٦٣ والدر المصون ٤ / ٤٩٠.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.
(٤) تقدم.
(٥) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٨٨.